للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عظمة الله تعالى.

قال: وعليه الكفارة؛ لعموم قوله- تعالى-: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: ٨٩]، وهذا حالف؛ فلزمته الكفارة.

ولأنه قد وجد اليمين بالله والمخالفة مع القصد والاختيار [؛ فلزمته الكفارة] كاليمين على المستقبل.

ولأنها يمين تتعلق بالحنث المستقبل؛ فوجب أن تتعلق بالحنث الماضي؛ كاليمين بالطلاق والعتاق؛ [فإنه لو حلف: لقد دخل الدار، ولم يدخلها- لزمه الطلاق والعتاق]، وهذا وفاق؛ قاله الماوردي.

أما إذا كان جاهلاً بكذبه مثل أن حلف: ما زيد في الدار، وكان في الدار، لكنه نسي، ثم ذكر، أنه حلف على مبلغ علمه أن الذي في الدار زيد، فإذا هو عمرو- فلا إثم عليه، وفي وجوب الكفارة خلاف يأتي مثله من بعد، إن شاء الله تعالى.

قال: وهذه اليمين هي اليمين الغموس، أي: التي تغمس صاحبها في الإثم، أو يستحق بسببها الغمس في النار، وهي بفتح الغين.

واستدل الأصحاب على ذلك بما روى [عن] عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْكَبَائِرُ؟، قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟، قَالَ: ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟، قَالَ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ" [قال الشعبي: واليمين الغموس]: التي يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها كاذب.

وفي الاستدلال بذلك نظر؛ من حيث إن الدعوى تشمل ما إذا حلف على مال أو غير مال، وما إذا حلفه الحاكم أو غيره، كما صرح به البندنيجي.

والحديث دالٌّ على اليمين التي يقتطع بها مال امرئ مسلم، وعند عدم المال ليست الجريمة كالجريمة؛ فلا يقاس عليها ما هو دونها.

<<  <  ج: ص:  >  >>