ثم ما المراد بقدر الكفاية؟ هل كفاية وقته، أو على الأبد؟
الذي صرح به من العراقيين البندنيجي والمحاملي الثاني، وعليه ينطبق إيراد ابن الصباغ؛ حيث قال: إن من له أن يأخذ من الزكاة من سهم الفقراء والمساكين أو من الكفارة، جاز له أن يكفر بالصوم، ولا يلزمه التكفير بالمال، وأورد عليه أن من يملك نصاباً لا يحصل به الكفاية تجب عليه زكاة المال، وإن كان ممن يجوز له أخذها. وأجاب: بأنا لو أسقطنا الزكاة لخلا لانصاب عنها، وهاهنا لا يسقط، وإنما ينتقل إلى بدلها وهو الصيام، وهذا ما حكاه الرافعي، ودل عليه ظاهر كلام الشافعي؛ حيث قال: ومن له أن يأخذ من الكفارة والزكاة، فله أن يصوم.
وفي "الحاوي": أن التكفير بالمال قد يجب على من تحل له الزكاة والكفارة، وهو من وجدها فاضلة عن قوته وقوت عياله، ولا يصير بفضلها غنياً؛ فيجب عليه التكفير بالمال دون الصيام؛ لوجودها في ملكه، فاضلة عن كفاية وقته، ويحل له أن يأخذ من الزكوات والكفاراة؛ لدخوله في حكم الفقر والمسكنة.
وأجاب عن نص الشافعي بأنه أشار إلى الأغلب من أحوال الناس، والأغلب ما قاله.
قلت: وقد انتظم من مجموع النقلين خلاف، وهو مشابه للوجهين اللذين حكاهما ابن الصباغ في الحج في أن المعتبر أن يفضل ما يحتاج إليه في الحج عن الكفاية على الدوام.
ويتجه أن يجيء فيما نحن فيه مذهب ثالث، أبداه الرافعي احتمالاً في كتاب الظهار: أن المعتبر أن يكون فاضلاً عن كفاية سنة.
قال: وإن كان له مال غائب لم يجز أن يكفر بالصوم؛ لأنه قادر على التكفير بالمال من غير ضرر؛ فلم يتحقق الشرط.