الواجب جميعها بالنص، وله إسقاط جميعها بفعل أحدها؟ فإن قلنا الأول لا يجزئ، وإن قلنا بالثاني أجزأه، وهو الأصح في الطريقين، وعليه ينبني ما لو أوصى بالعتق وهو أزيد قيمة؛ فإنه يعتبر من الثلث، لكن هل المعتبر جملة الرقبة، أو القدر الزائد من ثمنها على قدر الواجب؟ فيه وجهان يجريان- على ما حكاه في "التهذيب"- فيما إذا أوصى بالكسوة أو الإطعام، وذلك أزيد قيمة:
فعلى الأول- وهو الأصح عند الرافعي، وظاهر النص، ولم يحك البندنيجي سواه- إن وفي الثلث بها فذاك، وإن لم يوف، أطلق الرافعي القول ببطلان الوصية، وقال البندنيجي والمحاملي: إنما يفرد من التركة قدر الطعام وثلث ما تبقى: فإن لم يف بقيمة رقبة بطلت الوصية، وإن وفى فوجهان: قال ابن سريج وأبو إسحاق وغيرهما: يعتق بذلك رقبة، وظاهر المذهب: أن الوصية تسقط.
وعلى الثاني: إن لم يوف الثلث بما زاد بطلت الوصية.
وحكي في أصل المسألة وجه ثالث ضعيف في العتق: أن جملة الرقبة تعتبر من رأس المال، ويتجه جريانه في الكسوة والإطعام أيضاً.
وإن كان الميت معسراً فقد حكى الماوردي: أن الأصحاب اختلفوا في أن التكفير يعتبر بالواجب؛ فيكون على ما مضى، أو معتبر بالتطوع؛ فيكون- على ما سيأتي- على وجهين، والذي حكاه في التطوع: أنه جائز إذا أوصى به، سواء كان عتقاً أو صدقة. وإن لم يوص به: فإن كان صدقة جاز من الوارث وغيره، وإن كان عتقاً: فإن تطوع به غير الوارث لم يجز؛ لأنه يتضمن الولاء، وهو يجري مجرى النسب؛ للحديث المشهور:"وليس لأحد إلحاق نسب بغيره"؛ فكذلك الولاء. وإن تطوع به بعض الورثة لم يجز؛ لما ذكرناه في الأجنبي، وإن تطوع به جميع الورثة فوجهان؛ هذا آخر كلامه، ومقتضاه- إذا فرعنا على الوجه الثاني- أن التكفير إن جرى بوصية من الميت يجوز من الوارث والأجنبي بالعتق وغيره، وقد صرح به ابن الصباغ وغيره، وجعله كما لو جرى في حال الحياة بإذنه، وإن جرى بغير وصية؛ يجوز من الوارث ومن الأجنبي التكفير بالطعام والكسوة، ولا يجوز من الأجنبي وبعض الورثة بالعتق، وهل يجوز به من جميع الورثة؟ فيه وجهان، وهذا يفهم أنه لا فرق بين الكفارة المرتبة والمخيرة، والذي حكاه ابن الصباغ والبندنيجي والمحاملي وغيرهم: أن الوارث يجوز له في الكفارة المرتبة أن يعتق وأن يطعم، وإن لم تكن مرتبة يجوز له الإطعام، وهل يجوز له العتق؟ فيه وجهان.