ويعضده مفهوم قوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} [الأحزاب: ٤٩].
فإن قيل: القصد من العدة- في الغالب- معرفة براءة الرحم، وهي متحققة؛ فيما إذا لم يحصل ثم إنزال؛ فلماذا وجبت والحالة هذه؟
فالجواب: أن الإنزال خفي يختلف في حق الأشخاص وفي الشخص الواحد باعتبار ما يعرض له من الأشغال؛ فيعسر تتبعه ويقبح؛ فأعرض الشرع عنه، واكتفى بسبب الشغل وهو الوطء، والوطء بتغييب الحشفة.
وهذا صنيعه في تعليق الأحكام بالمعاني الخفية: كالإسلام، والبيع، وغيرهما.
ثم الأصحاب لما رأوا اكتفاء الشرع في وجوب العدة- بما ذكرناه- ألحقوا به استدخال المرأة ماء الزوج من طريق الأولى، لأنه أقرب إلى العلوق من تغييب الحشفة، وألحقوا بذلك النسب أيضاً، وقالوا: لا اعتبار بقول الأطباء: إن الماء إذا ضربه الهواء لم ينعقد منه الولد؛ لأنه شيء مقول بالظن لا يتأتى فيه الإمكان.
وفي "التتمة" حكاية وجه: أن الاستدخال لا يوجب العدة؛ إعراضاً عن النظر إلى شغل الرحم، [وإدارة للحكم] على الإيلاج.
ثم على الأول: هل يشترط أن يكون ماء الزوج صدر عن وطء شبهة، أو لا فرق فيه بين ذلك وبين أن يكون صدر عن زنى؟
الذي ذكره صاحب "التهذيب"- على ما حكيناه في باب ما يحرم من النكاح- عن المذهب: الأول، وأبدى من عند نفسه الثاني؛ كما لو وطئ زوجته على ظن أنه زنى بها.
وأطلق الرافعي الجواب هاهنا بوجوب العدة من غير تفصيل؛ فلعله محمول على ما حكاه في "التهذيب".
فرع: لو أقرت المرأة بالدخول، وأنكر الزوج، وحلف عليه- ففي وجوب العدة عليها وجهان محكيان في "النهاية" في باب الإقرار بالنسب.
قال: وإن طلقها بعد الخلوة، ففيه قولان:
أصحهما: أنه لا عدة عليها؛ لقوله -تعالى- {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩]، ولأن القصد بالعدة: