والمنصوص وظاهر المذهب: أنه يجب، إلا أن من الأصحاب من يشترط لوجوبه أن يقع إعتاق السيد أو موته بعد انقضاء العدة بلحظة؛ لتعود فيها فراشاً للسيد، وهذا ما يقتضيه كلام الشيخ في مسألة "موت السيد والزوج" الآتية من بعد. ومنهم من لم يشترط ذلك.
وقد بني الخلاف في وجوب الاستبراء هاهنا على ما إذا انقضت عدة الزوج والسيد حي، هل تعود فراشاً؟ ومذهبا لشافعي وما ظهر من منصوصاته في كتبه- على ما حكاه الماوردي-: أنها تعود فراشاً للسيد، وتحل له من غير استبراء، كما إذا رهنها ثم زال الرهن. فعلى هذا: يلزمها الاستبراء بموت السيد.
وحكى ابن خيران قولاً ثانياً تفرد بنقله عن الشافعي في القديم: أنها لا تعود فراشاً، ويجب عليه الاستبراء إذا أراد وطأها.
فعلى هذا: هل يلزمها الاستبراء بموت السيد؟ فيه الخلاف المذكور فيما إذا مات وليست فراشاًله، وبناهما الماوردي على أصل، وهو أن استبراء [أم الولد] هل وجب لحرمة الولد؟ أو [لرفع] الفراش؟ وفيه وجهان، أحدهما- وهو قول أبي سعيد الإصطخري-: الأول؛ فعلى هذا يجب الاستبراء، وعلى الثاني: لا يجب، وهو الذي جزم به ابن الصباغ.
قال: ولو مات السيد والزوج، أحدهما قبل الآخر، ولم يعلم السابق منهما – فإن كان بين موتهما شهران وخمس ليال فما دونها لم يلزمها الاستبراء، وهذا لفظ الشافعي، كما حكاه ابن الصباغ؛ لأنها تكون عند موت السيد الذي يجب الاستبراء بسببه: إما مزوجة إن كان السيد قد مات أولاً، أو معتدة إن كان الزوج قد مات أولاً، وقد بينا أنه لا استبراء عليها في الحالين، ويلزمها أن تعتد بأربعة أشهر وعشر من موت الثاني، لاحتمال أن يكون السيد هو الذي مات أولاً؛ فتكون حرة عند موت الثاني.
وما ذكرناه مبني على أنه إذا مات وهي في العدة لا يجب عليها استبراء، أما إذا قلنا بأنه يجب فالحكم كما في المسألة بعدها.
واعلم أن النووي قال: قول الشيخ في هذه المسألة: "شهران وخمس ليال"، صوابه:"شهران وخمسة أيام بلياليها".