ومن السنة: ما روى الشافعي بإسناده، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إِنَّ مَعِيَ دِينَاراً؟ فقال: أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ". قال: معي آخر؟ قال:"أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ".
وما روى مسلم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخلت هند بنت عتبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح ما يعطيني ما يكفيني ويكفي بني، إلا ما أخذت من ماله بغير إذنه؛ فهل علي في ذلك [من] جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خُذِي مِنْ مَالِهِ [بِالْمَعْرُوفِ] مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ".
وما روى النسائي في حديث طويل:"وابدأ بمن تعول"، فقيل: من أعول يا رسول الله؟ قال:"امْرَاتُكَ تَقُولُ: أَطْعِمنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي، خَادِمُكَ يَقُولُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْني، وَلَدُكَ يَقُولُ: إِلَى مَنْ تَتْرُكْنِي".
فإذا ثبت وجوب نفقة الولد على الوالد ألحقنا به أباه وإن علا، إن لم يتناوله إطلاق ما ذكرناه؛ لأنه لما قام مقام الأب في الولاية وما ذكر من الأحكام، وجب أن يقوم مقامه في التزام النفقة.
وأما وجوبها على الأم؛ فلأن البعضية فيها محققة، وفي الأب مظنونة، فلما تحملت بالبعضية المظنونة كان تحملها بالمتيقنة أولى.
وأما وجوبها على أبيها وأمها؛ فلأنه حق واجب بالقرابة المحضة، لا يعتبر فيه التعصيب؛ فاستوى فيه القريب والبعيد، والوارث وغير الوارث، والعصبة وغير العصبة؛ كالعتق بالملك، ورد الشهادة.
وفي الأم وجه: أنه لا تجب عليها النفقة بحال.
والمشهور الأول.
ولا فرق في ذلك بين الوارث وغير الوارث، ولا بين الموافق له في الدين والمخالف.
وقيل: لا تجب على المسلم نفقة الكافر.
والفرق- على المذهب- بين النفقة والميراث: أن الميراث يجب؛ لأجل