وروى أبو داود أيضاً عن أنس – وهو ابن مالك-: "أَنْ جَارِيَةً وُجِدَتْ قَدْ رُضَّ رَاسُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا: أَفُلاَنٌ؟ أَفُلانٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَتْ بِرَاسِهَا، فَأَخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَضِّ رَاسِهِ بِالحِجَارَةِ" وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما؛ فثبت القصاص في هاتين الصورتين بالنص، وقيس ما عداهما عليهما؛ لأنه في معناهما.
وأيضاً فإن الخصم وهو أبو حنيفة – وافقنا – كما حكاه الماوردي – على أن القتل بالعمود الحديد موجب للقود؛ فقيس عليه غيره بجامع ما اشتركا فيه من إزهاق الروح.
وأيضاً: فإن إيجاب القصاص شرع؛ صيانة للنفوس بقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩] فلو سقط بالمثقل لما انخرست النفوس، وفي ذلك إبطال معنى النص؛ فبطل.
تنبيه: ظاهر كلام الشيخ يقتضي أنه لا فرق في وجوب القصاص على من قتل الضعيف بالمثقل الصغير بين أن يعلم ضعفه أو لا يعلم، وهو الصحيح في الطرق.
وحكى الرافعي وغيره وجهاً فيما إذا ظنه صحيحاً، [و] كان ذلك الضرب لا يقتل الصحيح غالباً – أنه لا يجب؛ [لأن ما] أتى به ليس بمهلك عنده، وذكر أن هذا الوجه مأخوذ من الخلاف فيما إذا شهد اثنان على إنسان بما يوجب القتل، ثم رجعا، وقالا: تعمدنا، ولم نعلم أنه يقتل بشهادتنا – في أنهما هل يقادان، أم لا؟
قال:"وإن رماه من شاهق"؛ أي: مكان عالٍ، وأصله الجبل المرتفع، أو عصر خُصييه عصراً شديداً، أو خنقهُ خنقاً شديداً، أي: يموت من مثله غالباً "أو