وروى أبو داود بسنده عن البراء [بن عازب] أنه قال: "كانَتْ لِي نَاقة ضَارِبَةٌ، فَدَخَلَتْ حَائِطاً؛ فَأفْسَدَتْ فِيهِ؛ فَعَلِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى لله عليه وسلم – فَقَضَى أَنَّ حِفْظَ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَاشِيَةِ مَا أَصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ". وقد اتفق الأصحاب على ما شهد به الحديث في الليل والنهار في ضمان الزرع وعدمه؛ إذا كان عادة أهل تلك البلدة تسييب مواشيهم نهاراً؛ لترعى في الموات الجاري بها العادة من غير راع، وحفظها ليلاً، وليس على الحوائط، والزرع حيطان، وإليه أشار الشافعي بقوله:"حيطان المدينة لا حائط لها". نعم، لو اتفق ذلك في القرى العامرة، والبلدان المتجاورة التي تجاور زرعها، ولا يمكن الرعي إلا في ساقية أو نهر من بين المزارع، ونحو ذلك – فقد حكى البندنيجي، وكذا الشيخ أبو حامد كما ذكره ابن الصباغ عنهن عن بعض أصحابنا أنه قال: لا يجوز للإنسان إرسال ماشيته نهاراً، فإن فعل فعليه الضمان، وهذا ما أورده صاحب "التهذيب"، وهو الأصح في الرافعي.
ومنهم من قال: لا يضمن؛ للخبر.
وعن أبي الطيب بن سلمة: أنه إذا أرسل الدابة في البلد؛ فأتلفت شيئاً – ضمنه؛ لأن الدابة في البلد تراقب، ولا ترسل [وحدها]، وهو الوجه.
ولو تغيرت عادة أهل بلد بحفظ المزارع بالليل والمواشي بالنهار، انعكس الحكم على الأصح.
وعن رواية الشيخ أبي عليّ حكاية قول: أنا نتخذ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم –مرجعاً؛ فلا نعدل عنه، ولا ننظر إلى اختلاف عادات البلاد؛ فكل ما يقع نهاراً فلا ضمان على ملاك البهائم، وكل ما يقع ليلاً فعليهم الضمان؛ فإن تتبع الساعات عسير.
وكذا الخلاف جار فيما إذا كانت الحوائط محوطة، وترك صاحبها بابها مفتوحاً ليلاً، والأصح: أنه لا ضمان، وبه قال صاحب التخليص، وجزم به في الوسيط؛ لأن مالك الزرع مقصر، وبهذا أيد الإمام ما أبداه من عدم الضمان