ثم إذا قلنا بالتوزيع على الجميع في الأولى؛ فلو كان الشخص ممن يقدر على التعبير عن جميع مقاصده؛ لفطنته، استحداده من اللغة، وتهديه إلى مناط الكلام، فهل تكمل فيه الدية؟ فيه وجهان، أظهرهما: لا.
واعلم أنا في اعتبار الذاهب من الحروف لا نأمره بأن ينطق بكل حرف على حياله؛ لأن الحرف الواحد يجمع في الهجاء حروفاً، بل نأمره بكلمة يكون الحرف الذي نمتحنه فيه من جملتها: إما في أولها، أو في وسطها، [أو في آخرها]؛ فإذا أردت اعتباره في أول الكلمة، وكان المعتبر هو الألف – فَامره أن يقول: أحمد، وأسهل، وأنصر، وأبعد؛ ليكون بعد الألف حروف متغايرة يزول بها الاشتباه؛ فإن لم تسلم له الألف في هذه الأسماء والأفعال كانت ذاهبة وإن سلمت كانت باقية.
وإن أردت اعتبار الباء، فَامره أن يقول: بركة، وباب، وبعد.
ثم على هذه العبرة تفعل في جميع الحروف؛ فإن ثقل عليه الحرف، ثم أتى به سليماً عد في السليم دون الذاهب، وإن قلبه بلثغة صارت في لسانه عد في الذاهب؛ وكذلك لو صار أرتَّ؛ لأن الأرت يأتي من الكلمة ببعضها ويسقط بعضها.
قال: وإن حصلت به تمتمة، أي: صار يردد التاء – ثالثة الحروف – مراراً، أو عجلة – وجبت الحكومة؛ لحصول النقص والشَّيْن بجنايته.
وهكذا الحكم لو صار أرد، وهو الذي يردد الكلمة مراراً، أو فأفاء، وهو الذي يكرر الفاء مراراً.
فرع: لو كان الباقي من حروف كلامه بعد الذاهب منه لا يفهم معناه، لم يضمنه الجاني، للعلم بأن [بعض] الحروف لا يقوم مقام جميعها؛ فلم يلزمه إلا ضمان الذاهب منها، وهذا ما حكاه الماوردي، والقاضي أبو الطيب، وغيرهما، وقال في "التتمة": إنه المشهور من المذهب، والمنصوص في "الأم".
وفي "التهذيب": أنه يجب كمال الدية؛ لأن منفعة الكلام قد فاتت، ويحكي