وهم كما لو انفردوا بمقاتلة المسلمين، نعم: هل ينعقد لهم أمان في حق أهل البغي؟ فيه وجهان؛ فإن قلنا: لا ينعقد، فليس للبغاة أن يقاتلوهم، بل يردونهم إلى مأمنهمن فلو قال أهل الحرب، وقد وقعوا في أسر أهل العدل: ظننا أنه يحل لنا مقاتلتكم إذا استعان بنا المسلمون، وحسبنا أنهم الفئة المحقة، أو قالوا: ظننا أنكم كفار – فهذا موضع الخلاف [المشهور]، فمنهم من قال: نصدقهم ونعاملهم معاملة البُغاة؛ فلا نقتلهم مدبرينن ونبلغهم المأمن، وهو الظاهر، ومنهم من قال: نقتلهم حيث ثقفناهم؛ لأن مجرد ظنون الكفار لا يؤثر. انتهى.
وقوله:"هذا موضع الخلاف المشهور"، يعني: بين الأصحاب والقاضي؛ لأن القاضي الحسين صرّح في هذه الحالة في "تعليقه": بأنهم لا يقتلون مدبرين، [ويبلغون المأمن، وفي حالة دعواهم العلم وعدم الإكراه يقتلون مدبرين،] ولا يبلغون المأمن، ولو لم يعقدوا [لهم] أماناً، لكن استعانوا بهم على قتال اهل العدلن فلا خلاف أنه [لا] ينعقد لهم امان على أهل العدل، ويجوز قتلهم مدبرين.
وإيراد القاضي يقتضي ترجيح الوجه الصائر إلى انعقاد الأمان في حق أهل البغي، وهو الأصح في "الرافعي" و"التهذيب"، وقال في "الزوائد": إنها طريقة أبي حامد.
وعلى هذا: إذا حاربنا أهل البغي ومعهم أهل الحرب، لا يبطل أمانهم في حقهم، بخلاف ما لو أمَّن رجلٌ مشركاً، فقصد مسلماً أو ماله، فإن لمؤمِّنه مجاهدته ونبذ أمانه.
قال القاضي الحسين: والفرق أن هذا الواحد إذا أمنه، فإنما [هو] يأخذ من الكف عن جميعهم، فإذا قاتل واحداً منهم صار ناقضاً لأمانه، وأما البغاة فإنهم أمنوه على قتالنا، فإذا حاربونا معهم لم يفعلوا شيئاً يضاد عقد أمانهم؛ فلم يصيروا ناقضين.
وعلى الوجه الآخر قال في "التهذيب": يجوز لأهل البغي أن يكرُّوا عليهم