للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرة]، فوجهه قوله تعالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ} الآية [التوبة:١٢٦]، قال مجاهد: إنها نزلت في الجهاد، ولأن فرض الجهاد متكرر، وأقل الفرض المتكرر ما وجب في كل عام مرة كالصيام وزكاة المال والفطر، ولأن الجزية تؤخذ للكف عن القتال، وإنما تؤخذ مرة واحدة في السنة، وسهم الغزاة يؤخذ في كل سنة مرة؛ فلابد من غزوة واحدة، ثم الإمام فيها مخير: إن شاء خرج بنفسه، وإن شاء بعث قوماً وأمَّر عليهم أميراً، على حسب ما تقتضيه المصلحة، قال ابن الصباغ: و [يلزم] الرعية طاعته فيما يراه من ذلك، وهذا ما نص عليه الشافعي – رضي الله عنه – وقال أيضاً: إنه يُغْزِي كل قوم إلى من يليهم من الكفار؛ لأنهم أعرف بقتالهم. وعلى ذلك جرى أصحابه وقالوا: للإمام تكليف أهل البر القتال في البر؛ لأنهم أعرف به، وتكليف أهل البحر القتال في البحر: لأنهم أخبر به.

ثم ظاهر كلام الشيخ وغيره: أن الاعتبار بإرسال الجند مرة واحدة إلى أي جهة كانت من جهات العدو في إسقاط الفرض، ومن ذلك قول البندنيجي: وإذا غزا [جهة سنة غزا جهة] أخرى [في] السنة الثانية.

وكلام الإمام مصرح بأمر زائد على ذلك؛ فإنه قال: قال الفقهاء: يتعين على الإمام أن يقيم في كل سنة قتالاً مع الكفار، ويجب أن يغزي إلى كل صَوْبٍ منهم جنداً إذا أمكن ذلك، وزعموا أن فرض الكفاية يسقط بقتال واحد في كل صوب، والمختار – عندي في هذا – مسلك الأصوليين؛ فإنهم قالوا: الجهاد دعوة قهرية، فيجب إدامته على حسب الإمكان، حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، ولا يختص بالمرة الواحدة في السنة، وإذا أمكنت الزيادة لا يعطل الفرض. وما ذكره الفقهاء حملوه على الغالب؛ لأن الأموال والعدد لا يتأتى تجهيزها للجند في السنة أكثر من مرة واحدة، وإذا اصطلى الرجال بنار القتال ونالوا من العدو، ونيل منهم – لم يعودوا ولا دوابهم إلى الاستعداد التام إلا في مدة السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>