وما ذكره لا حجة فيه؛ لأن ترك الأذان في ذلك الوقت كان علامة على الكفر؛ إذ كانوا قاطعين بأن قابلي الإسلام، ومصدقي الرسل في علو الدين وصدر الشريعة وصَفْو الملة كانوا لا يتركون الأذان، ولا كذلك في غير ذلك الزمان.
وأيضاً الاستدلال بترك الأذان على إماتة الدين لا وجه له؛ إذ الكلام في قوم اعتقدوا أنه سُنة، وتَنَاجَى به الخواص [منهم] والعوام، وواظبوا على إقامة الصلوات. ثم كلام أبي إسحاق كالمتناقض؛ إذ المقاتلة قد تفضي إلى القتل، وهو نهاية العقوبات، وكل ما يتعلق بتركة عقوبة، يستحيل [القضاء بكونه سُنة؛ إذ حقيقة السُّنة جواز تركها، وما يجوز تركه يستحيل] أن يَجُرَّ قتلاً.
وقد قيل: إن ذلك سُنة إلا في يوم الجمعة؛ فإنه فرض كفاية، وهذا ما حكاه البندنيجي، والشيخ في "المهذب"، عن أبي سعيد الإصطخري وابن خيران.
والإمام اقتصر على نسبته إلى ابن خيران، وأنه وجهه: بأن الأذان دعاء إلى الجماعات، وإنما تجب الجماعة على الأعيان مع الاختصاص بأوصاف معروفة يوم الجمعة؛ فاختص الأذان الذي هو دعاء إليها بكونه فرضاً على الكفاية.
وعلى هذا فالذي يتعلق به الفرض النداء الذي يحرم البيع عنده، وهو الذي بين يدي الخطيب، كذا حكاه البندنيجي عنهما.
وحكى الإمام عن رواية شيخه وجهاً آخر: أنه يُكتفَى بالأذان الأول الذي ينادي به للجمعة.
فإن قلت: قد نقل أن الإصطخري قال: إنه فرض كفاية مطلقاً أو سُنة مطلقاً، فكيف يحسن نسبة هذا القول إليه؟!
قلت: بطريق الجمع بين النقلين: ما قاله الماوردي من أن الإصطخري قال: إنه فرض كفاية مطلقاً، وأنه ادعى أنه في الجمعة ثابت بالإجماع؛ فظن من وقف على آخر كلامه دون أوله أن ذلك مذهبه [لا غير] فنسبه إليه. والله أعلم.