ولأن المقصود منه الإبلاغ، وهو إذا فعل على موضع عال أبلغ؛ ولذلك بنى عثمان المنابر.
ومن هنا يؤخذ حكمان آخران:
أحدهما: أن الإقامة لا تستحب على موضع عال؛ لفقد العلة، ويلزم من ذلك أن تكون مستحبة في غير موضع الأذان، وبذلك صرح الأصحاب.
والثاني: أنه يستحب أن يكون المؤذن قائماً؛ ولذلك لم يذكره الشيخ هنا؛ [وعلى هذا إذا أذن قاعداً كره وأجزأ،] واستدل له في "المهذب" بقوله- عليه السلام- لبلال:"قُمْ فَنَاد بالصَّلَاةِ".
وقد قيل: إن القيام شرط فيه؛ قاله أبو سهل الصعلوكي تخريجاً، وإليه مال الشيخ أبو محمد أيضاً؛ لأجل ما ذكرنا في فصل الاستقبال عنه وقال الإمام: الأصح القطع بأن القيام والاستقبال ليسا شرطين فيه، ومحل الخلاف إذا لم يكن عذر في ترك القيام، فإن كان ثم عذر جاز قاعداً [وجهاً] واحداً من غير كراهة، وكذا يجوز على الراحلة في السفر؛ كالنافلة.
وإذا قلنا: يجوز قاعداً عند عدم العذر، وهو ما حكاه القاضي الحسين- فهل يجوز مضطجعاً؟ فيه وجهان، كما في التنفل، وهل يجوز أن يؤذن ماشياً؟ قال الماوردي: ينظر: فإن كان قد انتهى في مشيته إلى حيث لا يسمع من كان في الموضع الذي ابتدأ الأذان فيه بعض أذانه لم يجزئه، وإلا أجزأه.
والإقامة كالأذان، ولا يستحب المشي فيها، بل يتمها وهو في موضع واحد، فإذا أتمها مضى إلى الصف الأول؛ لأن بلالاً كان يفعل ذلك.
قال: وأن يجعل- أي: المؤذن- أصبعيه في صماخي أذنيه؛ لما روى البخاري [ومسلم] عن أبي جحيفة قال: "رأيت بلالاً يؤذن، ويُتبع فاه ها هنا وها هنا، وأصبعيه