واحترز بلفظ "الإمام" في هذا المقام عن آحاد المكلفين المسلمين؛ فإنه لا يجوز إذنه في الدخول بالتجارة والزيارة، كما صرح به الأصحاب، وحكاه ابن الصباغ عن أبي إسحاق في اشتراط العشر بعد الكلام في المسألة بفصول، فلو سمع الكفار واحدا من المسلمين يقول: من دخل تاجرا فهو في أمان، فاعتمدوه – قال الإمام: فلا شك في فساد الأمان، لكن، هل يثبت لهم حكم الأمان إذا ظنوه صحيحا؟ فيه وجهان.
واحترز بلفظ "إذا رأى المصلحة" عما إذا لم يكن في الدخول مصلحة؛ فإنه لا يجوز بحال؛ لما فيه من اطلاع للكفار على عورات المسلمين، ونقل الأسلحة للكفار، وعبر عنه الرافعي بأنه لا يجوز من غير حاجة، وكلام الغزالي في السير مصرح بأن المانع من الإذن والأمان حصول المضرة؛ كالجاسوس ونحوه، وأنه لا يشترط في انعقاد الأمان ظهور المصلحة، بل يكفي عدم المضرة.
وقال الإمام: إنه إذا أمن [من] في دخوله مضرة ينبغي ألا يستحق التبليغ إلى المأمن؛ لأن دخول مثله خيانة ملجئة إلى أن يغتال.
ثم كلام الشيخ يفهم أمورا:
أحدها: جواز الإذن في الدخول بتجارة يحتاج إليها المسلمون بغير عوض، وبعوض إذا لم يكن بالمسلمين إليها حاجة، وهذا ما اتفق عليه الأصحاب. لكن في حال عدم الحاجة إليها، هل يجب الشرط كيف كان الأمر، أو يجوز الشرط إذا رأى الإمام فيه المصلحة، ويجوز الترك تغليبا للمصلحة؟ فيه وجهان، حكاهما المراوزة:
وأصحهما عند الإمام – وبه جزم القاضي الحسين والبندنيجي – الأول.
وأظهرهما في "الرافعي" – وبه جزم أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي -: الثاني.
وقد تقدم مثلهما في الإذن في دخول الحجاز، قال الرافعي: ويقرب من الوجهين الوجهان في أنه إذا أطلق الإذن [في الدخول] من غير شرط، هل يجب شيء أم لا؟ أو أحد الخلافين [مبني] على الآخر؟
قلت: والأظهر عدم البناء، وقد نبهت عليه في [باب] عقد الذمة.
الثاني: أن [المشروط لا يتقدر] بشيء، وقد [صرح به] الأصحاب، وقالوا:
يستحب أن يكون العشر؛ اقتداء بعمر – رضي الله عنه – فإنه شرط عليهم
العشر، ويجوز أن يزيد عليه إذا كانت بضاعتهم كاسدة في بلادهم نافقة عندنا،