للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روى أبو داود في "سننه" – كما قال الماوردي – عن ابن عباس أنه قال]: وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بردة الأسلمي، فجاء ناس يريدون الإسلام، فقطع عليهم أصحابه، فنزل جبريل بالحد فيهم: أن من قتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ المال قتل، ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف.

قال: وهذا بمنزلة المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما نزل به جبريل – عليه السلام – لا يعلم إلا منه صلى الله عليه وسلم.

ومن جهة المعنى: أنه ساوى السارق في أخذ النصاب على وجه لا يمكن الاحتراز منه، فساواه في قطع اليد اليمنى، وزاد عليه بإخافة السبيل شهر السلاح، فغلظ [عليه] بقطع الرجل، وقد روي ما يدل على هذا المعنى، روي ابن لهيعة عن يزيد بن [أبي] حبيب: أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه [أنس] يخبره أن هذه الآية نزلت في العرنيين، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عن القصاص [فيمن حارب]، فقال: "من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده لسرقته، ورجله لإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه"، ولا تنافي بين ذلك وبين الآية؛ لأن كلمة "أو" قد وردت في الكتاب العزيز للترتيب، قال الله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} [الصافات: ١٤٧] [معناه: ويزيدون].

والمحوج إلى ذلك – مع ما ذكرناه -: أن اختلاف العقوبات يوجب اختلاف أسبابها في الغلظ والخفة، والتخيير مفض إلى أن يعاقب من قل جرمه بأغلظ العقوبات، ومن كثر جرمه بأخفها، وهو ضد ما ذكرناه، والترتيب يمنع من هذا التناقض، ويستأنس له بأن الله – تعالى – بدأ بالأغلظ؛ فوجب أن يكون على الترتيب؛ لأنه عرف القرآن، دليله كفارة القتل والظهار، ولو كان المراد التخيير لبدأ

<<  <  ج: ص:  >  >>