قال الأصحاب: وأدنى درجات الأمر الإباحة، لكن هذا [الحديث] يرويه عبد الملك بن زيد وعطاف بن خالد، وهما ضعيفان؛ فالحجة فيما ذكرناه: ما قاله الشافعي -رضي الله عنه- أنه كان غير شيء يثبت له التعزير صلى الله عليه وسلم فلم يعزر.
ومن ذلك ما روي أنه عليه السلام كان يقسم الغنائم، فمر به واحد، فقال: هذه القسمة ليس يراد بها وجه الله. [ويروى] أنه قال: اعدل [يا محمد فلست تعدل، فقال [له]: "لقت خبت وخسرت إن لم أعدل] فمن يعدل"، ولم يعزره.
ومن ذلك ما روى عبد الله ابن الزبير أن رجلا خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير:"اسق، [ثم أرسل إلى جارك"؛ فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله، أن كان ابن عمتك؟! نتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:" يا زبير اسق] أرضك، واحبس الماء حتى يرجع إلى الجدر"، فلو لم يجز ترك التعزير لعزره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قال.
[ومن ذلك ما] روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض الأسفار على بعير، فجاءه أعرابي وجبذ رداءه حتى أثرت جبذته في عنقه، وقال: احملني فإنك لا تحملني على بعيرك [ولا] على بعير أبيك؛ فثرنا إليه مالجبل من الحديد، وهممنا بقتله؛ فقال صلى الله عليه وسلم:"عزمت على من سمع كلامي أن يثبت مكانه"، فوقفنا بعضنا على إثر بعض، وأيدينا على مقابض السيوف ننتظر أمر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا أسامة، وقال:"احمله على بعير الزاد"، ولم يعزره.