ولا شك في أن الإمامة رياسة تامة ورعاية عامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا، كام عليه حرمنا متضمناً: حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الجنف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين، وهذه جمل يأتي تفصيلها.
قال: الإمامة فرض على الكفاية، لإجماع من أشرق عليه الشمس شارقة وغاربة، واتفاق مذاهب العلماء قاطبة.
وقد رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم البدار إلى نصب الإمام، وتركوا بسببه التشاغل بتجهيز رسول الله- صلى الله عليه وسلم، مخافة أن يتغشاهم هاجمة، والمعنى فيه: أن هلو ترك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع، ولا يزعهم وازع، لا يردعهم عن اتباع خطوات الشيطان رادع، مع تعين الأذى وتفرق الأهواء- لهلك [الأنام]، وتوثب الطغاة والعوام، ونشبت الخصومات، واستحوذ على أهل الدين ذوو الغرامات.
وقد أشار الله – تبارك وتعالى- إلى ذلك في الكتاب المبين بقوله- تعالى- وهو اصدق القائلين:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة: ٢٥١].
وقد حكي عن عبد الرحمن بن كيسان وكذا الأصم: أن هلا يجب نصب إمام، ويجوز ترك الناس أخيافا، يلتطمون أسلافاً وأخلافاً. وهو مسبوق بالإجماع.
قال الإمام: وهذا الرجل – يعني: ابن كيسان- هجوم على [شق العصا]، ومقابلة الحقوق بالعقوق، ولا يسمى إلا عند الانسلال عن ربقة الإجماع.
لكن هل وجب ماذكرناه بالعقل [أو الشرع] فيه خلاف حكاه الماوردي، واستدل للأول بقول الأفوه الأودي وهو جاهلي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا