للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يخالف في هذه القصة أحد من الصحابة، فصار إجماعًا، ويدل عليه من طريق المعنى شيئان:

أحدهما: أن الشهادة بالزنى أغلظ من القذف به، لأنه يقول في القذف: زنيت، ولا يصفه، وفي الشهادة بالزنى يقول: زنيت، ويصفه، والقذف لا يوجب حد المقذوف، والشهادة توجبه، فلما كانت أغلظ كانت بوجوب الحد إذا لم يتم العدد أولى.

والثاني: أن سقوط الحد عنهم ذريعة إلى تسرع الناس إلى القذف إذا أرادوه أن يخرجوه مخرج الشهادة حتى لا يحدوا، ففي حدهم صيانة للأعراض في توقي القذف، فكان أولى وأحق، وهذا ما صححه النواوي، وهو الأظهر في ((الحاوي)) في باب حد الزنى، وقال: إنه المنصوص عليه في أكثر كتبه من قديم وجديد، وعلى هذا: لا تقبل شهادتهم حتى يتوبوا كما تقدم، وهل تقبل روايتهم قبل التوبة؟ فيه وجهان في ((الحاوي)):

المشهور [منهما]- كما تقدم-: القبول، وينسب إلى أبي حامد.

وأقيسهما- كما قال-: عدم القبول، كالشهادة.

والقول الثاني: [أنهم] لا يحدون، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:٤] فبين أن الزاني الذي يجب عليه الحد هو الذي يحتاج إلى أربعة، وكل واحد من هؤلاء لا يحتاج إلى أربعة، وإنما يحتاج إلى ثلاثة، فوجب ألا يكون ممن يجب عليه حد القذف.

ولأن نقصان العدد معنى لا يمكن الشاهد الاحتراز منه، فوجب ألا يتعلق به وجوب الحد، أصله: رجوع أحدهم عن الشهادة، فإن الشافعي قد نص على أن الواحد منهم إذا رجع لا يجب على الثلاثة حد، وإن وجب الحد على الراجع على أحد القولين، كما قاله أبو الطيب.

ودعوى الإجماع غير مسلمة، لأن أبا بكرة مخالف، وخلاف الواحد يمنع انعقاد الإجماع.

<<  <  ج: ص:  >  >>