والثالث- وهو قول أبي إسحاق المروزي، وأبي علي بن أبي هريرة، والجمهور-: أنها تسمع في الدماء خاصة، ولا تسمع في غير الدماء إلا بعد الدعوى، والفرق من وجهين:
أحدهما:[لتغليظ الدماء] على غيرها من الحقوق.
والثاني: أنها من حقوق المقتول تقضي منه ديونه، وتنفذ منها وصاياه، فجاز للحاكم أن ينوب عنه في سماع الشهادة قبل دعوى أوليائه.
قال: ويجئ على هذا التعليل أن يسمعها في ديون الميت، ولا يسمعها في ديون الحي، وهذا قد حكاه ابن الصباغ والبندنيجي عن أبي إسحاق.
وعلى التعليل الأول لا يسمعها في ديون حي ولا ميت.
وإذا قلنا بالصحيح في عدم السماع مطلقًا، فهل يصير الشاهد مجروحًا بالأداء؟ فيه وجهان، أشبههما في ((الرافعي)): المنع.
ويحكى القطع به عن الشيخ أبي عاصم العبادي، لأن المبادرة قد تكون عن جهل منه.
قال الرافعي: وظاهر الإطلاق أن الخلاف في سقوط عدالته مطلقًا، ويؤيده أن القاضي أبا سعيد قال: الوجهان ينبنيان على أن المبادرة من الصغائر، أو الكبائر.
قلت: وقد صرح به الإمام في أوائل كتاب الدعاوى فيما إذا وقعت الشهادة قبل الدعوى، حيث قال: لو ادعى ألفًا فشهدت له البينة بألفين- فالألف الزائد لا يثبت، وفي ثبوت الألف المدعى وجهان.
وإن لم يثبت، ورددنا الشهادة، فقد ظهر اختلاف الأصحاب في جرح الشهود حتى ترد شهادتهم على وجه عمومًا، وعلى ذلك ينطبق ما قاله البغوي في كتاب الإقرار والصورة هذه، وقد شهد له شاهد بألف وآخر بألفين: إنا إذا قلنا: إن الشاهد بالألف الزائد يصير مجروحًا، إن المدعي يحلف مع شاهد [الألف] ويأخذه، فلو لم يردها عمومًا، لكانت شهادته بالألف المدعى مسموعة إذا أعيدت، فيأمر بإعادتها، ولا يحتاج إلي اليمين، كما صرح به الإمام.
ثم قال الرافعي: لكن منهم من يفهم كلامه وقوع هذا الخلاف في قبول تلك