وإن قلنا: لا يصير مجروحًا، قبلت، وهذا ما ذكره شيخي.
وذكر القاضي: أنا إذا قلنا بعدم القبول، فهذا الرد لا يتأبد، كشهادة الفاسق، بل إذا استبرأه القاضي مدة، وظهر عنده انتفاء التهمة قبل شهادته، وهذا أقيس وأحسن.
وقد [جمع] الغزالي في ((الوسيط)) ذلك في كتاب القسامة، وقال: إذا أعادها هل تقبل؟ فيه ثلاثة أوجه- وهي في ((النهاية)) فيه أيضًا-:
ثالثها: إن أعادها بعد التوبة عما جرى، ويذكر أنه لا يعاود مثله، ولا يبادر للشهادة، واستبرأه كما قاله الإمام فيه- قبلت، إلا فلا.
قال الإمام: والفرق بينه وبين الفاسق أن الفاسق إذا ردت شهادته تلحقه غضاضة تبلغ به الأنفة, وقد يتهم في إعادة تلك الشهادة، وهذا لا غضاضة عليه.
وما حكيناه عن القاضي يقرب منه ما في ((التهذيب)) هنا، فإنه قال: إن قلنا: إنه يصير مجروحًا، فلا تقبل إذا أعادها في ذلك المجلس، وتقبل في غيره، لأنه لا يلحقه بعدم القبول عار يكون متهمًا في الإعادة.
وإن قلنا: لا يصير مجروحًا، قبلت إذا أعادها في ذلك المجلس، وفي غيره.
فرع: شهادة المختفي [مسموعة عندنا] على المشهور، ولا تكون من قبيل الحرص على الشهادة، وصورتها: أن يختفي في موضع يحضره متنازعان في حق، ومن هو عليه ينكره في الظاهر، ويقر به في الباطن، فإذا سمعه شهد عليه.
وحكى الفوراني والقاضي الحسين قولًا للشافعي في القديم: أن شهادته لا تقبل مطلقًا كمذهب مالك، وعليه يخرج ما حكاه في ((الزاوئد)) عن رواية الطبري عن أبي إسحاق أنه قال: لا يجوز أن يشهد على شخص بما لم يشهده على نفسه، كما لا يجوز أن يتحمل الشهادة عنه، وسوى في ذلك بين أن يقر بين يديه بدين، أو عين، أو يراه يعقد عقد بيع، أو إجارة، وسمع كلامه، أو يراه [و] قد قتل شخصًا، أو جرحه، أو أتلف عليه مالًا.
والمحكي عن أبي إسحاق: اشتراط ذلك في الشهادة على الإقرار، والسكوت