على نصها، فقال: لعل ذلك فيما إذا تكرر عليها الزمان، ووقف عليها العدد الكثير، وعدم الطاعنون والمنكرون؛ فإن ذلك ينزل منزلة إجماعهم عليها، وإلا يجوز [أن يكون][الوضع] عن اجتهاد، والمخبر عن اجتهاد لا يعمل بخبره القادر عليه.
والحكم في القرية الكبيرة المطروقة كالبلد، بل قال في "التهذيب": لو وجد محراباً، أو علامة للقبلة [في طريق] جادة المسلمين، وجب عليه التوجه إليها.
وكذلك لو أخبره عدل بأنه رأى جماعة من المسلمين اتفقوا على هذه الجهة، فعليه قبوله، وليس بتقليد، بل هو قبول الخبر من أهله، كما لو أخبره أني رأيت الشمس طالعة.
وإذا ثبت هذا الحكم في محاريب بلد صلى إليها المسلمون، ففي محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وبكل موضع صلى فهي أولى؛ لأنه لا يقر على الخطأ، وبه صرح الأصحاب كافة، وقالوا: حكم ذلك حكم الكعبة فيما ذكرناه، ولا يجوز أن يجتهد فيه بالتيامن والتياسر.
ولو تخيل عارف بأدلة القبلة: أن الصواب في ذلك أن يتيامن أو يتياسر قليلاً فخياله باطل.
وهل يجوز أن يجتهد في محاريب المسلمين بالتيامن والتياسر؟ وفيه وجهان:
ظاهر المذهب منهما في "النهاية" الجواز، وهو الذي أورده القاضي الحسين والفوراني والبغوي والمتولي والأكثرون، [كما] قال الرافعي.
والمذكور في "الحاوي" مقابله، وهو ما حكاه الإمام عن شيخه.
وقال بعض المتأخرين: إنه الصحيح؛ إذ لو جاز لمنع من الصلاة بدونه، ولا قائل به.
وعبارة الإمام: أن من قال بالجواز، يلزمه أن يقول: حق على من يرجع إلى بصيرة إذا دخل إلى بلد أن يجتهد في صوب قبلته، وقد يلوح له [أن] التيامن وجه الصواب. قال: وهذا إن ارتكبه مرتكب، ففيه بعد ظاهر.