فصحاء الأمة العربية نقيبا لهم، وفوضوا إليك أمر النقض والإبرام في الفصيح من لغتهم وغير الفصيح؟ لقد ارتقيت مرتقا صعبا، وطرت في غير مطارك، وأخاف عليك السقوط، إن ميزان الفصاحة ليس هو فهمك ولا ذوقك، وإنما هو قواعد وضعها الأئمة يرجع إليها ويعتمد في النقد عليها، وسأضع نقدك في الميزان، ليرى القراء، أيثقل، فتكون من المفلحين، أم يخف، فتكون من الخاسرين.
وسنرى هل استعمالي لهذه الكلمة من استعمال جهلة المترجمين، أم نقدك أنت ينتمي إلى جهلة المنتقدين، أنا لم آخذ هذه الكلمة من معاجم آبائك الأجانب، لا من معجم بلو ولا من معجم غيره، وإنما أخذتها من كلام العرب الأقحاح، ومعاذ الله أن أكون في لغة قومي عالة على الأجانب، فاسمع ما يقوله أئمة اللغة العربية. قال ابن منظور في لسان العرب في مادة ف وض ما نصه، وقوم فوضى، مختلطون، وقيل هم الذين لا أمير لهم ولا من يجمعهم، قال الأفوه الأودي:
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وصار الناس فوضى، أي متفرقين، وهو جماعة الفائض، ولا يفرد كما يفرد الواحد من المتفرقين، والوحش فوضى، متفرقة تتردد، اهـ. ومثله في القاموس للفيروزأبادي في مادة: ف وض، ثم قرأت مادة: ف ض ض، في القاموس فلم أجد فيها أثرا لما زعمه المعترض من أن أصل الفوضى، فضى، كشتى وشتيت، ولم يذكر للفوضى مفردا ومقتضى كلامه أن يكون فضيضا، وذلك ضل بتضلال.