بنى الأمير المدينة فإن السبب في بنائها هو الأمير لأنه أمر العملة ببنائها. والحقيقة العقلية هي إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما هو له في اعتقاد المتكلم كقول المؤمن: أنبت الله البقل، وأنزل الله المطر. وكقول الكافر: أنبت الربيع البقل، وأنزلت السماء المطر. فقول النصارى في عيسى وأمه، إنهما يعطيان ويمنعان! كقول الكافر: شفى الطبيب المريض! ، فهو إسناد حقيقي، لأن الكافر يعتقد أن الطبيب هو الفاعل الحقيقي، والنصارى يعتقدون عيسى وأمه إلهين. والمجاز العقلي كقول المؤمن أنبت الربيع البقل، وشفى الدواء المريض لأنه يعتقد أن الله هو الذي أنبت البقل، والربيع سبب، وأن الله هو الذي شفى المريض، والدواء سبب، ومن المجاز العقلي قول الشاعر - وهو أبو النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعى ... من أن رأت رأسي كرأس الأصلع
على ذنبا كله لم أصنع ... ميز عنه قنزعا عن قنزع
جذب الليالي أبطيء أو أسرعي ...
والدليل على أنه مجاز قوله بعد ذلك:
أفناه قيل الله للشمس اطلعي ... حتى إذا واراك أفق فارجعي
هذا الشعر من مشطور الرجز وهو لأبي النجم العجلى وأم الخيار زوجته، وكانت تعيب عليه صلع رأسه لكبر سنه وكانت ابنة عمه بدليل قوله في موضع آخر من القصيدة:
يا ابنة عما لا تلومي واهجعي ... يمشي كمشي الأهدأ المكتع
لا تسمعيني منك ما لم أسمع ... ألم يكن يبيض لو لم يصلع
فهي تعيب عليه شيخوخته وما يلازمها من الإحناء والإكباب فإن الأهدا هو الذي يمشي منحنيا مكبا كأنه راكع، والمكتع المتقبض: يقول يا ابنة عمي لا تلوميني على كبر سني وضعفي