للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصلع رأسي فإنه لو لم يصلع وبقى فيه شعره لصار أبيض بالشيب، وأنت تكرهين رؤية الشيب، كما تكرهين الصلع. فالشاهد في قوله ميز عنه قنزعا عن قنزع، جذب الليالي أي فرق شعر الرأس حتى صار قنازع مجموعة شعيرات هنا، أخرى هناك، جذب الليالي: اختلافها ذهابا ومجيئا، يعني أن سبب الصلع كثرة الليالي التي مرت عليه، حتى طعن في السن فإسناد ميز إلى جذب الليالي من المجاز العقلي، لأن الشاعر لا يعتقد أن شيخوخته هي التي جعلته أصلع وإنما هي سبب الصلع، والفاعل الحقيقي هو الله سبحانه بدليل قوله فيما بعد: - أفناه قيل الله للشمس اطلعي يعني أفني شعر رأسه قول الله للشمس اطلعي كل يوم - وقوله حتى إذا واراك أفق فارجعي، دليل قطعي على أن العرب من قديم الزمان وإن لم يشتهروا بتعاطي العلوم بل كانوا أمة أمية أكثرهم لا يكتبون ولا يقرؤون، كانوا يعرفون أن الأرض كرة وأن الشمس حين تغيب عن قوم تكون مشرقة عند قوم آخرين لأنها لم تنعدم، وإنما سترها أفق، أي جانب من الأرض، وأن الله هو الذي أمرها بذلك، كما كانوا يعلمون أن المطر ينشأ سحابا من البحر حتى إذا علا السحاب في الجو وبرد، ساقته الرياح إلى الأرض التي يريد الله أن ينزل فيها المطر فينزل المطر، بقدرة الله يدلك على ذلك قول شاعرهم:

شربن بماء البحر ثم ترفعت ... متن لجج خضر لهن نئيج

قال الخضري في حاشيته على شرح الألفية لابن عقيل ما نصه: قوله شرب الخ ... ضمنه معنى روين فعداه بالباء أو هي بمعنى مِن التبعيضية، واللجج من لجة بالضم، وهي معظم الماء، ونئيج: بنون فهمزة فياء فجيم، كصهيل أي صوت عال، وجملة لهن نئيج: حال من نون شربن العائد للسحاب، لزعم العرب والحكماء أنها تدنو من البحر الملح في أماكن مخصوصة منها خراطيم عظيمة

<<  <   >  >>