ولا تغنَّتْ على غُصْنٍ مُطوَّقَةٌ ... ألاَّ أهاجَتْ لِيَ الأشْجَانَ والأرَقَا
يا ليتَ شِعْرِيَ والأيامُ مُطمِعةٌ ... والدهرُ في عكسِ ما يهْوَى الفتَى خُلِقَا
هل لي إلى عَوْدِ أوقاتٍ بكمْ سلفَتْ ... رَجاً فأظْفرُ أحياناً بما افتَرقَا
للهِ أيامُنا والشَّمْلُ مُجتمِعٌ ... أيامَ لا فُرقَةً أخْشَى ولا فَرَقَا
وإذْ بكُمْ كان عَيْشي أخْضراً نَضِراً ... وأسْودُ الليل منكُمْ أبْيَضاً يَقَقَا
يا صاحِبَيَّ فلا رُوِّعْتمُا بنَوًى ... وعنكُما ظلَّ جَفْنُ الدَّهْرِ مُنطبِقَا
إن جئتُمَا الجامعَ الزَّاهِي برَوْنقِهِ ... سقَاهُ من غادِياتِ السُّحْب ما غَدَقَا
مُيَمَّمَيْن له عُوجا كذا كرماً ... لنَحْو قُبَّتِه الشَّمَّاءِ وانْطلِقَا
فبلَّغا لِي سلاماً مَن مَحبَّتُه ... لم تُبْقِ لي منذُ حلَّتْ مُهجَتي رَمَقَا
وخَبِّراهُ بما ألْقى بعيْشِكما ... من فَرْطِ لاعِجِ أشواقٍ أتَتْ نَسَقَا
إنِّي إلى ذلك المغْنَى المشُوقُ كما ... أشْتاقُ صحْبيَ إخوانَ الصَّفا خُلُقَا
لا سيَّما الأروعَ المحمودَ سيِّدنا ... المُسْكِتَ اللَّسِنَ المُطْرَي إذا نطَقَا
طَوْراً تراه بكأسِ الحمدِ مُصْطبِحاً ... وتارةً من سُلافِ المجدِ مُغتبِقَا
يا غائبين فما وُدِّي بمُنتقِضٍ ... منكُم ولا حبْلُ عهدِي واهِناً خَلَقَا
تَحْدُوه رِيحُ الصَّبا وَهْناً لأرْضِكُم ... يُزْرِي شَذَاها بِرَيَّا مِسْكِه عَبِقَا
فأجابه أبو المعالي الطَّالُوِيّ، بقصيدةٍ، أنشدَنِيها، وهي:
وافَتْ فأرّجتِ الأرجاءُ والأفُقَا ... أُمْنِيَّةٌ من شَذاها قُطرُنا عَبِقَا
رَاحٌ كأنَّ الصَّبا باتَتْ تُعلِّلُها ... بالسَّحْرِ بين رِياضٍ طَلْعُها بَسَقَا
أم نَفْحَةٌ مِن رُبَى دَارِينَ عاطِرةٌ ... أهْدَتْ لنا أرَجاً جُنْحَ الدُّجَى عَبقَا