وصَدْح، فمضَى زمنٌ ونَوْرَ الأدب لا يُجْتنَى إلا من رِياض كلامِه، وسُورَة الفتْح بمُحَارِبِيها لا تُتْلَى بغيْرِ ألْسنةِ أقْلامهِ، وإثْمِد مَراوِدِها كُحْلُ البصائرِ، وتُحَف آثارِه يتلَقَّى رُكْبانها كلّ بادٍ وحاضر، حتى في نادي القضاء تربَّع واحْتَبى، وأصبح طِرازُ مذهبِ مالكٍ به مُذْهَباً.
وصار فيهم غريبَ الفضْلِ مُنفرِداً ... كبيْتِ حسَّانَ في ديوانِ سَحْنُونِ
فأنار ليلَه الحالِك، وتصرَّف فيه تصرُّف مَالِك، بأخلاقٍ تُعْصَر منها شَمول الشَّمائل، وفضائلَ جَمَّةِ المآثرَ سَحْبانُ عندها بأقِل.
إلا أنه مع تملُّكِ جواهرِ العلوم، وتقَلُّد جِيد كمالِه بعُقود المنْثور والمْنظوم، عادَاه دهرُه، وصافاه فقْرُه، فظل يَمْترِي صُبَابة عيشٍ لو أنها نَوْمٌ ما شُعرتْ بها الاحْداق، ويتحمَّل من أثْقالِها ما يُوهِن القُوَى والأعْناق.
ولم يزل كذلك حتى غارَ ماءُ حياتِه، وانْغَلق على الفتْح بابُ قبرِه عند مماتِه، فانفتَحتْ له أبوابُ الجِنان، فسقاهُ اللهُ رَحِيقَ غُفرانِه بين رَوْحٍ ورَيْحان، ونزَّه عيونَ رجائِه، وأمَّلَه في رياضِ الجِنان، بين الحُورِ الحِسان.
فمن نظْمه الذي حشَا الأسْماع سِحْراً، وملأَ أفْواهَ الرُّواةِ دُرَّاً، قولُه: