ولما تدفَّق ماء كرمه خرج منها سائحاً، بعدما ألْقَى دَلوَه في الدِّلاء ماتحاً، لابساً خِلَع الوقار، قاطِعاً من رياض الكَوْن ثَمرات الاعْتبار، فجاب البلاد، وأتى إرَمَ مصر ذاتِ العماد، فنَمَّى متاعَ فضلٍ به اتّجَر، والمعالي في كَفَالات السَّفر، فاجْتَنى نَوْرًا انْفتحت كَمائمهُ، وَسَرى سُرًى قلبُ الوجود كاتمُه.
وسُرَّ دَهْرٌ هو صَدْرٌ له ... بعالمٍ ذي نَجْدةٍ عامِل
وفي أثناء ذلك نظَم عقود أشْعارٍ حِقَاقُها العُقُول، وجمع مِن أزْواد فضله مجموعة سماها) الكَشْكول (، طالعْتُها فرأيتُ فيها ما تنْشرح له الصُّدور، وتَحُلُّ عُقَدَ الإشْكال عن كل مَصْدُور.
وكان رئيس العلماء عند عبَّاس شاه، سلطان العجم، لا يَصْدُر إلا عن رأيه إذا عقَد ألْوِية الهِمَم، إلا أنه لم يكن على مذْهبه في زَنْدقته وإلْحادِه لانْتِشار صِيتِه في سَدادِ دِينه ورَشادِه، إلا أنه عَلَوِيُّ بلا مَيْن، وهو عند العقلاء أهْوَنُ الشَّرَّيْن، فإنه أظهر غُلُوَّه في حبِّ آل البيْت، وجارَى في حَلْبة الوَلاءِ الكُمَيت، وأنشد لسانُ حالهِ لكلٍّ حيٍّ ومَيْت:
إن كان رَفْضًا حُبُّ آل محمدٍ ... فلْيَشْهدِ الثَّقلان أنِّي رَافضِي