حرس الله تلك الذات التي بدرها لا يخشى سراره، لا زالت مشرقة في سماء المعالي أنواره، وكلاء منها روض كمالٍ المجد أوراقه وثماره، وسقاها من وسمى النعماء كل صيب مغدق، بلَ من ولّى سجاياه ما يزهو به خصب كل ربيع ويورق، وحيا الله ذلك المحيا، وروى مواطن مواطئه التي يفاخر بها ثراه الثريا.
لا زالت الفضلاء لا تنصرف عن ناديه؛ لأنه منتهى جموعها، ولا برحت الفضائل من سحب بناننه مخصبا ربيع ربوعها، كما قلت في قصيدة تمسكت بأذيال أفضاله، وتمسكت بعبير نسمات إقباله:
فرائدُ تزْهُو في تَرائِبِ مدْحِه ... وعندِيَ لولا الجِيدُ ما حَسُنَ العِقْدُ
سقَى اللهُ هاتِيكَ الرُّبى سُحْبَ راحةٍ ... لها نسماتٌ من عواطِفِه تحْدُو
وإنَّ بِقاَعاً قد سقاها بَنانُه ... لينْبُتُ في أرجائِها الفخْرُ والمجْدُ
وأنا أسأل الله تعالى أن يطفئ من البعد ضرام صداه، بمشاهدة ذلك الوجه الذي يقطر منه ماء بشره ونداه، ويحكم في عاتق الفراق، سيوف التداني والتلاق، فإن العبد ما دام في أسر البعد، فكره محبوس في سجن الغرام والوجد، متعلقة به إشراك النوى والنوائب، فهو جازم بألاّ يرفع حجاب همه الناصب.
وكيف لا، وإناء القلب مملوء بولائك، وثوب الحياة لحمته وسداه منسوج بيد نعمائك، فأنت نور حدقة الزمان، ونمو حديقة الجنان، والسلام.