يهدى إلى من ألقت إليه العلوم مقاليدها، وملك من التحقيقات الفكرية طارفها وتليدها، أفصح من وشى وجوه الطروس بخطوط المعارف، وأسبل على عرائس الألفاظ فواضل المطارف.
لا زالت عوارف المعارف عليه منهلة، وذيول مجده من بحار المكارم مبتلة.
وبعد فقد ورد علينا المشرف الكريم، فألقينا عليه عصى التسليم، واجتنينا من قطوفه الدانية باكورة التسجيع، وتصدينا من غصون همزاته حمائم الترجيع، ورأيناه قد اشتمل على عتب أرق من دمعة الكئيب، وألطف من معاتبة الحبيب للحبيب.
غير أن عذري مقبول لا يرد، وطول الأسى رفيق لا يود فإن المرض لازمني منذ سنوات ملازمة النجوم للأفلاك، ونصب لصيد الصحة فخاخه والشباك، لا يفارقني إلا مفارقة الجفن للعين، كأنه غريم ملح له على دين.
كأنّ السُّقْم مُحتاجٌ لجسْمِي ... فما ينْفَكُّ عنه قَيْدَ شِبْرِ
إن أردت القيام من مضجعي فلابد من معين، وإن مشيت فلا أستغني عن عصا وقرين.
رفضت يدي القلم وطالما حملته، وجفا يميني بعدما أرضعته من جداول النوال وغذته.
وارتعشت اليد لفراقه أسفا وندما، وصار وجدان الطروس بعده عدما، وأصبحت كأني من أهل الكهف والرقيم، لا أعرف كم لبثت من السنين، وإن كان عندي المقعد المقيم، والسلام.