ومن أحاديث يُشفَى بها الغَليل، ويصِحُّ مِزاج النَّسيم العليل، تنْفتِح منها في رياض المُسَامَرة، مِن أجْفان الكمائِم عيونُ أنوارِها الزَّاهرة، ويحسُو فَم السَّمع منها ماءُ حياة يُطِيل عمرَ المسرَّة، وتكتحِلُ منها المآثرُ بما هو لعيونها قُرَّة، من كل من هو لتْشييد المجد أكرمُ بانِي، حتى تكفل الثَّناء له بعمر ثاني، يشِيب في وجه السماءِ حاجبُ القمرِ هلالا، ويشتعل رأسُ الشمس شيباً ولم يَرَ له مِثالاً.
إذا ما روَى الإنسانُ أخبارَ مَن مضى ... فتحسَبُه قد عاش مِن أوَّلِ الدهرِ
وتحسَبه قد عاش آخرَ دهرِه ... إلى الحشْر إنْ أبقْى الجميلَ مِن الذِّكرِ
فقد عاش كلَّ الدهر مَن عاش عالماً ... كريماً حليماً فاغتنْمِ أطولَ العُمرِ
وسواءٌ تلفُّتُ المريض للطبيب، وفَرحةُ الأديب بِلقَا الأديب، لا سيَّما أهل العَصر، الهاصِري أغصانَ المُنَى ألطفَ هصْر، القائلين في رياضِها، الواردين نَمِيرَ حياضِها، فقد سرَتْ كلماتُهم مَسْرَى الأرواحِ في الأجساد، وأُثْنَى عليها ثناءَ نسيم الرياض على العُهَّاد، وقد انتصر لكلِّ عصرٍ مَن أحْيَا مَيْتَه، وعَمَّر من دارس عهودِه بيْتَه، كصاحب) اليتيمة (و) قلائد العِقْيان (و) المية (و) الذخيرة (و) عقود الجُمَانَ (، وحَمِيَّة المرء لعصرِه، وقيامُه على منابر نصْرِه، من آياتِ الفُتوَّة، التي هي على لسان الحميَّة متلُوَّة، فليس منَّا مَن لم يَغْتَذِ بِدَرِّ المجد في مِهادِه، ولم يفتخِرْ في المحافل بأُستاذِه وإسنادِه، إلا أن الأدبَ في هذه الأعصار، قد هبَّتْ على أطلالِه ريحٌ ذاتُ إعْصار، حتى أَخْلَقتْ عُرَى المحامد، واسترْخَى في جرْيِه عِنانُ القصائد، وتقلصتْ أذيالُ الظِّلال، وخطب البلاءُ على منابر الأطْلال، وعفَا رَسْمُ الكرام، فعليه منِّى السلام.