فلم يزل يحكم فيها الكاسات، ولا يسمعون من عذب ألفاظه غير خذ وهات، في يوم شابت ذوائبه، من قبل ماطر بالعشية شاربه.
فلما دنا المسير، وغاب بدر الكأس المنير، نام بعضهم ثملا سكران، وذهب حافيا رجلان، فنسي نعله، وأودع عند الخمار عقله، فكأنما فر هاربا لما طرح أحمال أحزانه ورماها، وألقى صحيفة فكره والزاد حتى نعله ألقاها.
فكتبت غليه أعزيه فيها، وأخفف عنه مصائب الدهر وأرثيها، بقولي على لسانه مداعبا، ومفاكها له مطايبا.
لقد خانَنا دهرٌ وكنَّا به نعْلو ... يوَدُّ هِلالُ الأفْقِ لو أنه نَعْلُ
وقد كان لي نعلٌ فشتَّتَ شملِها ... وما الدَّهرُ أهلٌ أن يدومَ له شَمْلُ
وكانتْ تَقي بالنَفْسِ رِجْلي فأصبحتْ ... تُفارِقُها من بعد ما آذنَ الثُّكْلُ
وقد كنتُ ذا بِشْرٍ فأصبحتُ حافياً ... وكم حزنتْ من بعدها الكَعْبُ والرِّجلُ
فكم صحَبتْني في سرورٍ وشِدَّةٍ ... ولم تتخلَّف عن مُرادِي ولم تَعْلُ
ونَقَّلَتِ الأقْدامَ للرَّاحِ سُحْرةً ... فعُدْتُ ولا عقلٌ لديَّ ولا نَقْلُ
كذلك عاداتُ الشّراب وفعلُه ... فما اختارَه مُضنّى بهِ وله عَقْلُ
وأنْشَدتُ خِلِّي حين ضاعتْ ولم يكنْ ... ليَنفعْنِي في ذلك الحادِثِ الخِلُّ
وإنَّ أخِلاَّءَ الزَّمانِ غَناهُمُ ... قليلٌ إذا الإنسانُ زَلَّتْ به النَّعْل
فأنشَدني بيْتاً يثبِّتُ مُهجَتي ... لكَيْما فؤادي عن محبتها يسْلُو