للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَّما اْمتطَيْتُ مطاياَ الهِممَ، ووجَّهتُ وَجْه عزْمى إلى قِبْلة الأمم، ورَعيْتُ بالأحْداق حدائقَ تلك المسارح، وقد سالَتْ بأعْناق المَطىّ الأباطِح، في وَفْدٍ ركب عزمُهم غاربَ المَسرَّة وامْتطَى، وهَتْهمُ النُّجبُ إلى أوْدِية بضلُّ فيها القَطَا، فقطعُوا مَهامِةَ وأطْلال، يخاف أن يَسْرِى بها طَيْفُ الخيال.

فكم لاحت جداول موارد النوق جسورها، وسارت بهم سفائن بر والسراب بحورها. فكأنَّها أشْجار، يحرّكها صَبا الأسْحارِ.

تَسْقيها من السُّرى غمائِمهُ، وتزهو على نَوْرِ الخدودش كمائمهُ.

والشَّمالُ تحْدُوهم بمِسْكىّ الأنْفاس، والسماءُ حديقةُ نرَجسَ بين رَيحْانٍ وآس.

حتى الْتَتقط كف الصَّباح زُهرِه، وقطَفتْ بَنَفْسجَ الظَّلمْاء راحةُ فجْره، ووَرَد سِرْحانهُ غديرَ الصَّباح ونادَى القُمْرى على منارِ الدَّوح: حي على الفلاح.

ولم أزل أدْابث في التَّسْيار، إلى أن نفضْتُ عن منِكب المشقَّة غُبارَ الأسْفار، فنزلتُ بجوار بيُت الله الحرام، وتطيبتُ بمِسْك تراب الحطيم والمقَام.

وقلتُ:

بمكَّة لى غَناء ليس يفْنَى ... جِوارُ اللهِ والبيتِ المُعظمْ

ففيها كِيمياء سعادةٍ قد ظفرْت بها من الحَجر المُكرَّم.

<<  <   >  >>