للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما أفَضْتُ من تلك المناسِك بتلك البِقاع، طُفْتُ بها بل بالمسَرَّة طَوافَ الوَداع، وخرجتُ من أحبّ البلاد، والله لا يدعُو إلى دارهِ إلا مَن اسْتَخْلصَه من العباد.

وما دَرَى البيتُ أنى بعد فُرْقتِه ... ما سِرْتُ من حَرم إلاَّ إلى حَرَمِ

قاصداً طَيْبةَ الطَّيبة المُطَيَّبَة، وارداً موارد آمالي المُسْتَعْذَبة.

وقد قيل في زُرقِ العيون شآمةٌ ... وعنْدِيَ أن اليُمْنَ في عيْنها الزَرْقَا

فكلَّما سَرى في الصّبا نَسْرُ بطاحِها، وَدَدتُ لو أعارَتْني الُعابُ خفِافَ جناحِها، إلى أن لمَعت أنوارُ الهُدَى، من سماء العُلا وقبِاب الحمَى.

لِمَهْبط الوحْي حقَّا ترحلُ النُّجبُ ... وعند هذا المُرَجَّى يْنتَهي الطَّلبُ

فنزلتً اعتِنقُ الأراكَ مُسلّما، وكِدْتُ إلمُ أخْفافَ الرّواحل، إذ أوْصلتْني إلى أعذبِ المناهل، ولم اقلْ على قلق الوَضين أشْرقي بدَم الوَتين.

فإذا المَطيِ بنا بَلغْنَ مُحَّمداً ... فظهُورهنَّ على الرّجالِ حَرام

قرَّبْنَنَا من خيرِ مَن وَطِئ الثَّرىَ ... فلَها علْيناَ حُرْمَةٌ وذِمامُ

فحلَلْتُ في أرفعِ مَقام، تُفاخِر فيه الرُّوس الأقْدام، ويشَهد نَشرُ المِسك بفضل غُبارِه، وتُقرُّ الجواهرُ بأنَّها دون حَصاه فضْلاً عن أحْجارِه.

<<  <   >  >>