الوجه واليد واللسان، وليست الفُرقة فقدُ الأهل بل فقد الأحبَّة والإخوان، فدار بيني وبينه كئوس مُحاورات تُسكر الأذهان، ويحْتَسِي حُميَّاها فكرُ كل لبيب بأفواه الآذان، ويُوسَم بها عقلُ الدهر، وتُغْضِي حياءً منها عيون الزَّهر.
فممَّا كتبتهُ إليه: لأسْتمطر سحائبَ طبْعِه الغُرّ، وأستجْدي كرماً من رَقِيق خُلِقه الحُرّ، وأستَمْرِي منها ماء الحياة على غُلَّة، قطراتٍ لو وقعت في بحور الأشْعار لم يكن بها عِلَّة، قولِي:
قبَّلتُ مُصطبِحاً شِفاهَ الأكْؤُسِ ... والصبحُ يَبْسَمُ لي بثَغْرٍ ألْعَسِ
حتى غدتْ منه الغزالةُ واخْتفَى ... مِسْكُ الدُّجَى عند الجوارِي الكُنَّسِ
والنهرُ سيفٌ والنسيمُ فِرِنْدُه ... وله حمائلُ من خمائلِ سُنْدُسِ
أو صدرُ خُودٍ فتَّحتْ أطواقَها ... أو شقَّقتْ للوجدِ حُلةَ أطلَسِ
والطَّيرُ تشدُو والغصونُ رَواقِصٌ ... في وَشْيِ ديباجِ الرَّبيعِ السُّنْدُسِي
وعلى الخلاعة ليس جيدِي عاطلاً ... من حِلْيِة المجد العزيزِ الأنْفَسِ
ولواحِظ مرْضَى بها اعتلَّ الصَّبَا ... والصَّبُّ بالسُّقْم المُبرَّح مُكْتَسِ
فتَنتْ بأنفسها ففيها عِلَّةٌ ... من وجدِها وفتورُ مهجورٍ نُسِي