للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمان عشرة، خلا به واستأذنه في المسير إلى مصر، وكان عمرو دخل مصر في الجاهلية وعرف طرقها، ورأى كثرة ما فيها.

وكان سبب دخول عمرو إليها أنه قدم إلى بيت المقدس في تجارة له في نفر من قريش، وإذا هم بشمّاس من شمامسة الروم من أهل الإسكندرية قدم للصلاة في بيت المقدس، فخرج في بعض جبالها يسبّح (١). وكان عمرو يرعى إبل أصحابه وإبله، وكانت رعية الإبل نوبا بينهم. فبينا عمرو يرعى الإبل، إذ مرّ به ذلك الشماس وقد أصابه العطش في يوم شديد الحرّ، فوقف على عمرو فاستسقاه، فسقاه عمرو من قربته، فشرب حتى روي، ونام الشمّاس مكانه.

وكان إلى جنب الشمّاس حيث نام حفرة، فخرج منها حيّة عظيمة، فأبصرها عمرو، فنزغ (٢) لها بسهم فقتلها. فلما استيقظ الشمّاس نظر إلى حيّة عظيمة نجّاه الله تعالى منها، فقال لعمرو: ما هذه؟ فأخبره أنه رماها فقتلها، فأقبل إلى عمرو فقبّل رأسه وقال: (يا عربيّ) (٣) قد أحياني الله بك مرّتين، مرّة من شدّة العطش، ومرّة من هذه الحيّة، فما أقدمك إلى هذه البلاد؟

قال: قدمت مع أصحاب لي نطلب الفضل في تجارتنا.

فقال له الشمّاس: وكم ترى (٤) ترجوا (٥) أن تصيب في تجارتك؟

قال: رجائي أن أصيب في تجارتي ما أشتري به بعيرا، فإنّي لا أملك إلاّ بعيرين، أملي أن أصيب بعيرا آخر ليبقى لي ثلاثة أبعرة.

فقال له الشمّاس: أترى دية أحدكم كم هي؟

فقال عمرو: ماية من الإبل.

فقال الشمّاس: لسنا أصحاب إبل، إنّما نحن أصحاب دنانير.

قال: تكون الدّية ألف دينار.

فقال له الشمّاس: إنّي رجل غريب في هذه البلاد، وإنّما قد قدمت أصلّي في كنيسة بيت المقدس، وأسبّح (٦) في هذه الجبال شهرا، جعلت ذلك نذرا على نفسي،


(١) هكذا في الأصل وفتوح مصر ١/ ١٢٧، وفي حسن المحاضرة ١/ ٤١ «يسيح».
(٢) في الأصل: «فبزغ»، والتصحيح من: فتوح مصر ١/ ١٢٨، وحسن المحاضرة ١/ ٤١.
(٣) ما بين القوسين ليس في فتوح مصر.
(٤) في فتوح مصر: «وكم تراك».
(٥) الصواب: «ترجو».
(٦) في حسن المحاضرة: «أسيح».

<<  <   >  >>