للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[دخول المأمون الهرم]]

وفي هذه السنة دخل المأمون إلى مصر وفتح الثغرة التي في الهرم الشرقيّ.

وكان السبب في ذلك أنّ المأمون كان عنده حكمة ومعرفة وله عقل وتمييز، فركب إلى الأهرام يتفرّج فيها، فاطّلع على ذخايرها، فقصد فتحها وهدمها، فقال له شيخ من مشايخ مصر يقال له: «عفير»: إنّ في هذا مشقّة، وهو غير ممكن يا أمير المؤمنين لأنّها مبنيّة بالحديد والرصاص، ممتنعة بكلّ ناحية، وهي عظيمة بلا نهاية، ولا يحسن بمثل مولانا أمير المؤمنين طلب شيئا (١) ولا يناله.

فقال المأمون: لا بدّ لي من ذلك.

فاتّفق الأمر على الهرم البحريّ، ففتح من جانبه البحريّ لأجل وقوع الشمس على رؤوس (٢) الفعلة والذين يعملون في فتحه، فكانوا يوقدون النار عند الحجر، فإذا حمي رشّوا عليه الخلّ ورموه بالمنجنيق، حتى فتح منه الثلمة التي يدخل منها إلى الهرم الآن، فوجدوا بنايته (٣) على ما ذكر، ووجدوا عرض الحائط قريبا من عشرين ذراعا (٤).

وكان حفرهم له موازنا متوسّطا. فلما وصلوا إلى آخر الفتح وجدوا جرنا أخضرا (٥) من الرخام، فيه مال مصبوب على شبه الدنانير العراض، وكان وزن كل دينار منها تسع (٦) وعشرين مثقالا ونصف (٧)، فعرض ذلك على المأمون، فأمرهم بوزن الجميع من الذهب، فوجدوا ذلك مالا مغلولا، فقال لهم المأمون: ارفعوا إليّ حساب ما أنفق على فتح الأهرام، فرفعوا له ذلك الحساب، فوجدوه موازنا لما وجده من المال في الهرم سواء بسواء من غير زيادة ولا نقصان (٨). فتعجّب المأمون من ذلك عجبا شديدا، وعجب من معرفتهم بالموضع الذي يفتح منه الهرم على طول الزمان (٩). فازداد المأمون عند ذلك رغبة في علم الفلك ويقينا بأمر النجوم. ثم أمر بالبحث والتفتيش.


(١) الصواب: «شيء».
(٢) في الأصل: «رؤس».
(٣) الصواب: «بناءه».
(٤) نهاية الأرب ١٥/ ٢٧، صبح الأعشى ٣/ ٣٥٢.
(٥) الصواب: «أخضر».
(٦) الصواب: «تسعا».
(٧) الصواب: «ونصفا».
(٨) صبح الأعشى ٣/ ٣٢١، المواعظ والاعتبار ١/ ١١٩، النجوم الزاهرة ١/ ٤٠.
(٩) نهاية الأرب:١٥/ ٢٧، ٢٨.

<<  <   >  >>