العصر على انحطاط العالم الإسلامي وتدليه أنقى البلدان إسلاما وأطهر الأقطار دينا. وإذ كان منذ أول شأنه شديد الميل إلى الاطلاع والتفقه في الدين, لسرعان ما اشتهر ذكره وذاع اسمه فعرف بعلم وافر, قواماً على التقوى فحج إلى مكة في أوائل عمره وطلب العلم في المدينة المنورة, وساح إلى كثير من البلاد المجاورة حتى فارس, ثم عاد إلى نجد مشتعلا غضباً دينياً لما رآه بأم عينه من سوء حالة الإسلام فصحت عزيمته على القيام بدعوة الإصلاح.
فقضى سنين عديدة راحلا من بلاد إلى بلاد في شبه الجزيرة فبشر بالدعوة موقظا النفوس, حتى استطاع بعد جهاد طويل أن يجعل محمد بن السعود وهو أكبر أمراء نجد وأعلى زعمائهم كعبا وشأنا يقبل الدعوة ويدخل فيها فاكتسب ابن عبد الوهاب بذلك مكانة أدبية عالية ومنزلة اجتماعية رفيعة وقوة حربية لا يستهان بها فاستفاد من ذلك استفادة جليلة قد مكنته من بلوغ غايته وإدراك غرضه.
فتكونت على التوالي وحدة دينية سياسية في جميع الصحراء العربية شبيهة بتلك الوحدة التي أنشأها صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم - وفي الواقع فإن المنهج الذي نهجه ابن عبد الوهاب يشبه شبها كبيراً ذاك الذي نهجه الخلفاء الراشدون كأبي بكر وعمر.
ولما مات سنة ألف وسبعمائة وسبعة وثمانين - أي ميلادية - خلفه ابن السعود فكان خير خليفة للمصلح الإسلامي الكبير,