للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثلاثين دينارًا" وكتب في "الأفكار": لعله كان له مصدر آخر للدخل سواء من التعليم أو غيره. وبين هذين القولين تناقض فاضح، ولكن ما هو أغرب من ذلك هو أنه يكتب في "الأفكار" (١) مرة ثانية: كان يستلم من تلامذته مبلغًا معقولًا، وقد استعمل الكاتب في الاستشهاد الأول "لعل وشيئًا" وهما تعبيران مريضان بعيدان عن أسلوب البحث والتحقيق، وفي الاستشهاد الثاني استعمل كلمة "معقول" في مناسبتين في كتاب واحد، وقد اتبع فيه مرغليوث (٢) الذي يقول: ليس من المستبعد أن التلامذة كانوا لا يعودون إلى أوطانهم إلا بتقديم مكافأة جهمٍ وتكريمهم لأساتذتهم ماديًّا، ويقول في مكان آخر: كان تعليم أبي العلاء موجهًا إلى تحصيل المال بحكم طبيعته التي فطر عليها، ويكتب في مكان آخر أيضًا: "وإن كان أبو العلاء ليردد أنه لم ينظم قصائده طلبًا للمكافاة والجائزة، ثم يروي عن الدكتور ريو: "القصيدة الأولى من "السقط" يمدح فيها أبو العلاء حفيد سيف الدولة بسعيد الدولة" الخ وكأن مرغليوث حريص جد الحرص على أن يثبت بأن هذه القصيدة شهادة قاطعة على طمع أبي العلاء وكأنه يتقلب على الجمر لأن يبرهن على أن أبا العلاء كان من الشعراء الذين يرتزقون بالشعر ويتكسبون.

والواقع أن المبلغ المذكور أعلاه لم يكن إلا خمسة وعشرين دينارًا، وقد خصص معظمها لخادمه، كما صرح به أبو العلاء (٣) وأنا أعارض الذهبي فيما يقول: إن هذا المبلغ الزهيد كان يحصل له بعد عودته من بغداد وذلك لأنه يعترف بوضوح بأنه كان لديه ثروة (٤) قبل مغادرته لبغداد ولا شك أن خمسة وعشرين دينارًا لا تعد ثروة، ولكنه من نسيج خيال مرغليوث ونكلسن أن أبا العلاء بدأ يتسلم هذا المبلغ الزهيد بعد مغادرته من الشام، ولا تدل عبارة الذهبي على هذا المعنى أبدًا، بل يبدو أن هذا المبلغ كان يحصل له قبل هذه الرحلة أيضًا، وأما تسلمه للأجرة من تلامذته فلا يقوله إلا من جهل عادات الشرق وأحوال أبي العلاء فهل كان أبو العلاء أستاذًا


(١) ١٢٥.
(٢) ٣٤.
(٣) معجم الأدباء (١: ٢٠١).
(٤) شرح التنوير على سقط الزند (٢: ١١٩/ ١٦٣) حيث يقول:
أثارني عنكم أمران والدة ... لم ألقَها وثراء عاد مسفوتًا
أحياهما الله عصر البين ثم قضى ... قبل الإياب إلى الذُّخْرَين أن مُوتًا

<<  <  ج: ص:  >  >>