للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كمثلهما في "كيمبردج" و"أوكسفورد" أو كان معلمًا جوالًا يتجول على تعليم "عشاق" العلم العديدين، بل كان يسدي إلى طلبته الخير ويحسن إليهم، ويروي الذهبي أن أبا العلاء كان يعتذر إلى الطلبة الذين يأتون إليه من بعيد بأنه قليل البضاعة، عديم الثروة وكان يتأسف على ذلك تأسفًا بالغًا، وإليكم بعض أبيات من اللزوم تشير إلى هذا المعنى وهي كما يلي:

يزورني القوم هذا أرضه يمن ... من البلاد وهذا داره الطبس

قالوا سمعنا حديثًا عنك قلت لهم ... لا يبعد الله إلا معشرًا لبسوا

أعاننا الله كل في معيشتِه ... يلقى العناء فدرّي فوقنا دُبَس

ماذا تريدون لا مال تيسر لي ... فيستماح ولا علم فيقتبس

أتسألون جهولًا أن يفيدكمو ... وتحلبون سفيًّا ضرعها يبس

أنا الشقي بأني لا أطيق لكم ... معونة وصروف الدهر تحتبس (١)

يروي القفطي أن تلامذة أبي العلاء أبدوا ذات مرة رغبة إلى حبحب حلب، حتى أحضره أبو العلاء فأكلوا جميعًا وقد خصصوا منه شيئًا لأبي العلاء، لكنه جف ولم يأخذ منه أبو العلاء شيئًا. إن هذا الحكاية لهي أوضح دليل على أن أبا العلاء إنما كان يعطي ويساعد الطلبة، كذلك روى الذهبي في تذكرة الحفاظ عن تلميذ أبي العلاء الرشيد التبريزي أنه قال: كنت أقرأ كتب الأدب على الخطيب البغدادي في جامع دمشق، مرة جاء الخطيب إليَّ في غرفتي ومنحني خمسة دنانير وطلب مني بأن اشتري منها الأقلام وكذلك منحني مثله مرة أخرى.

عبر مرغليوث ونكلسن كلاهما عن الوقف بصندوق مال الوقف Trust fund حينًا وبمعاش التقاعد (PENESION) حينًا آخر، والواقع أن أبا العلاء لم يكن يملك سوى أرض ومباني فكانت الأرض تؤتي ثمارها سنويًّا والمباني تجلب له الأجرة، كما تناولناه بالضبط والتحقيق في كتابنا مدعمًا بتصريحات أبي العلاء نفسه، ولا شك أن مثل هذا الدخل لا يعبر عنه بكلا اللفظين إطلاقًا.

وما أبعد عن الواقع قوله إن: أبا العلاء واصل تعليمه لكسب المال، رغم أنه قد رفض هذا القول مرارًا وتكرارًا، يقول الذهبي وغيره (٢) إن أبا العلاء كان طموحًا


(١) اللزوميّات، ١/ ٢٣ (م. ي.).
(٢) م، ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>