للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما رَغبتي في كوني كبعض الكِرْوان (١) تكلم في خطب جَرَى، والظليم يسمع وَيرَى. فقال الأخفش أو الفَرّا: أطْرق كَرا! إن النعامةَ في القُرى (٢). وحَقُّ مثلي أن لا يُسأَل. فإن سُئِلَ تعيَّنَ عليه أن لا يجيب. فإن أجاب ففرضَّ على السامع أن لا يَسْمَعَ منه، فإن خالفَ باستماعه ففريضةٌ أن لا يكتُبَ ما يقول. فإن كتبه فواجبٌ أن لا ينظر فيه. فإن نظر فقد خَبَط خَبط عَشْوَاءَ. وقد بلغتُ سِنَّ الأشياخ. وما حارَ (٣) بيدي نفعٌ من هذا الهَذَيانِ. والظَعْنُ إلى الآخرة قريب. افتَراني أُدافع مَلك الموت فأقول:

أصل مَلَكٍ مألكٌ وإنما أُخذ من الأُلوكة وهو الرسالة ثم قُلِبَ ويَدُلّنا على ذلك ... [١] قولهم في الجمع الملائكة لأن المجموع تَرُدّ الأشياءَ إلى أُصولها، وأُنْشِدُ قول الشاعر (٤):

فلستَ لإنسيٍّ ولكنْ لَملأَكٍ ... تَنزَّلَ من جَوَّ السماء يَصُوبُ

فيُعجبه ما سمع فيُنْظرني ساعة لاشتغاله بما قلتُ. فإذا همَّ بالقبض قلت وزن مَلَكَ على هذا مَعل لأن الميم زائدة. وإذا كان الملك من الألوكة فهو مقلوبٌ من ألك إلى لأك. والقلب في الهمز وهمز العلّة معروف عند أهل المقاييس. فأما جَبذَ


(١) جمع كروان محركًا كشقذان وشقذان.
(٢) مثل أي تأتي فتدوسك بأخفافها. وأطرق أي غض من بصرك. يضرب للذي ليس عنده غناء ويتكلم. قيل يصيدونه بهذه الكلمة فإذا سمعها يلبد في الأرض فيلقى عليه ثوب فيصاد. الفرائد ١: ٣٦٦ ولقد أفاض في البحث وأوعب وأعجب وأسهب صاحب الخزانة ١: ٣٩٤ ونقل عن ابن السيد فيما كتبه على الكامل أن الصواب أنه شعر من الرجز:
أطرق كرا أطرق كرا ... أن النعام في القرى
والكرا الكروان أو مرحَّمه.
(٣) حار رجع وفي الأصل حاز وهو تصحيف.
(٤) قال أبو عبيدة هو رجل من عبد القيس جاهلي يمدح بعض الملوك. وقال السهيلي البيت مجهول قائله وقد نسبه ابن سيدة إلى علقمة وأنكر ذلك عليه اهـ. وأنا رأيت البيت مع ثلاثة أبيات أخرى في بعض النسخ من ديوان علقمة بن عبدة وفيه يصوب كيقول مع ندوب ويذوب ونضوب وما أكثر من يشكله فلستُ بالضم ويصَوَّب كيبشر. وأما أصل ملك ففيه خلاف كثير اقتنع منه على قول واحد. انظر شرح الرضيّ على الشافية. قوله مقلوب من ألك إلى لأك الأولى من مالك إلى ملأك حتى يفيد هذا القلب تسهيل الهمزة قياسًا مطردًا كما قالوا يسل في يسأل. قوله (في أول الصفحة التالية) فكأنهم فروا الخ غير واضح ولا دال على الغرض وقال غيره أنهم لو جمعوا على مآلكة وردوا المفرد عند الجمع إلى أصله لاشتبه بجمع مالكة وانظر السهيلي ٢: ١٢٢ وأنشد البيت سيبويه أيضًا ٢: ٣٧٩ غير معزو إلى قائل بعينه لكن الأعلم نسبه إلى علقمة كما مر.

<<  <  ج: ص:  >  >>