للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كرمه مع ضيق ذات يده: قالوا إن اشتغاله بالعلوم واكتسابها قد منعه عن اكتساب الرزق والتحيل له فلم يزل مضيَّقًا عليه يتجرع غصص الحياة النكداء ويلتصق بالدقعاء على نجار كريم وطيب عنصر وخيم. حدّت عباس بن محمَّد الكلواذاني قال سمعت أبا عمر الزاهد يقول ترْك قضاء حقوق الإخوان مذلة وفي قضائها رفعة فاحمدوا الله تعالى على ذلك وسارعوا في قضاء حوائجهم ومسارّهم تُكافؤوا عليه. وقال تلميذه الحاتميّ اعتللت فتأخرت عن مجلس أبي عمر الزاهد قال فسأل عني لما تراخت الأيام فقيل له إنه كان عليلًا فجاءني من الغد يعودني فاتفق أني كنت قد خرجت من داري إلى الحمام فكتب بخطه على بأبي باسفيداج:

وأعجب شيء سمعنا به ... عليل يعاد فلا يوجد

قال والبيت له. وقال أبو الحسن المرزباني إنه كان ابن ماسي ينفذ إلى أبي عمر الزاهد وقتًا بوقت كفايته فقطع بذلك عند مدة لعذر انفذ إليه جملة ما كان في راتبه وكتب إليه رقعة يعتذر إليه من تأخير ذلك فردَّه وأمر بعض من كان عنده من أصحابه أن يكتب على ظهر رقعته:

أكرمتنا فملكتنا ... وتركتنا فأرحتنا

وايم الله أن هذا لهو الغنى ولكن الذهبي قال إنه وإن كان الأمر كما قال لكنه لم يحسن الرد إذ قد كان تملكه بالإِحسان القديم فما تغير التملك وأما التأخر فجبره المحسن بتكميله وباعتذاره قلت ولكنه انتهز فرصة فكاك الرق فقد أحسن إلى نفسه إذ لم يحسن إلى غيره. قال الخطيب وابن ماسي لا شك أنه إبراهيم بن أيوب والد أبي محمَّد.

سعة حفظه وسيلان ذهنه: بحيث جرّ له تهمة التزيّد والاختلاق وبعض فضائله عده أبو بكر (١) الزبيدي في الطبقة الخامسة من اللغويين الكوفيين. قالوا إنه كان أكثر ما يملي تصانيفه يلقيها بلسانه من غير صحيفة وكان كما قال (٢) علي ابن أبي علي عن


(١) مختصر طبقاته المطبوع برومة ص ١٤٧.
(٢) في النزهة والأدباء أبو علي ابن أبي علي وفي الحفاظ علي بن علي وكله تصحيف وهو القاضي التنوخي الأصغر أبو القاسم علي بن القاضي التنوخي الأوسط أبي علي المحسن (بكسر السين المشددة) ابن القاضي التنوخي الكبير الشاعر أبي القاسم علي. والأوسط هو صاحب النشوار والفرج بعد الشدة والمستجاد راجع تراجمهم وأخبارهم أبو العلاء وما إليه ص ١٣٠ - ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>