أبيه ومن الرواة الذين لم ير قط أحفظ منهم أبو عمر الزاهد أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة في اللغة فيما بلغني وكان لسعة حفظه يطعن عليه بعض أهل الأدب ولا يوثقونه في علم اللغة حتى قال عبيد الله ابن أبي الفتح (أو الأزهر كما هو في لسان الميزان) لو طار طائر في الجو لقال أبو عمر الزاهد حدثنا ثعلب عن ابن الأعرابي ويذكر في معنى ذلك شيئًا. قال ابن خلكان وكان ينقل غريب اللغة وحوشيها وأكثر ما نقل أبو محمَّد بن السيد البطليوسي في كتاب المثلث عنه وحكى عنه غرائب. وقال أبو الفتح عبيد الله بن أحمد النحوي أنشدنا أبو العباس اليشكري في مجلس أبي عمر محمَّد بن عبد الواحد يمدحه:
أبو عمر يسمو من العلم مرتقى ... يَزِلّ مساميه ويردى مطاوله
فلو أنني أقسمتُ ما كنت حانثًا ... بأن لم ير الراؤون حبرًا يعادله
هو الشخت جسمًا والسمين فضيلةً ... فأعجب بمهزول سمانٍ فضائله
تضمن من دون الجناحين زاخرًا ... تغيب على من لجَّ فيه سواحله
إذا قلتُ شارفنا أواخر علمِه ... تفجَّر حتى قلت هذي أوائله
وقال النديم لسوءِ رأيه في معتقده سمعت جماعة من العلماء يضعّفون حكايته وانتسبوا به إلى التزيد ولا غرو أن صاحبنا كان منبوزًا بذلك فهذا شيخ المعرفة يقول في لزومه:
توَخَّ نقل أبي زيد وكتب أبي ... عمرو وخل كلامًا في أبي عمر
وها أنا ذا أنقل لك ثلاث حكايات في ذلك ثم أجيب عنها. قالوا وكان يسأل عن الشيء الذي يقدر السائل أنه قد وضعه فيجيب عنه ثم يسأل عنه بعد سنة فيجيب بذلك الجواب ويروي:
(١) إن جماعةً من أهل بغداد اجتازوا على قنطرة الصراة وتذاكروا كذبه فقال بعضهم أنا اصحف له القنطرة وأسأله عنها فننظر ماذا يجيب. فلما صرنا بين يديه قال له أيها الشيخ ما الهرطنق عند العرب فقال كذا وكذا وذكر شيئًا فتضاحك الجماعة وانصرفوا فلما كان بعد شهر أرسلوا إليه شخصًا آخر فسأله عن الهرطنق فقال أليس قد سئلتُ عن هذه المسألة منذ كذا وكذا ثم قال هو كذا وكذا كما أجاب أولًا قال القوم فما ندري من أي الأمرين نعجب: أمن حفظه إن كان علمًا أم من ذكائه إن كان كذبا