للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كان علمًا فهو اتساع عجيب وإن كان كذبًا فكيف تناول ذكاؤه المسألة وتذكر الوقت بعد أن مر عليه زمان فأجاب بذلك الجواب بعينِه أهـ.

(٢) قال الخطيب وكان معز الدولة قد قلَّد شرطة بغداد غلامًا تركيًّا مملوكًا يعرف بخُواجا فبلغ أبا عمر الزاهد وكان يملي كتاب الياقوتة في اللغة فقال للجماعة في مجلس الإملاء اكتبوا ياقوتة خواجا الخواج في أصل اللغة الجوع ثم فرَّغ على هذا بابًا بابًا وأملاه عليه فاستعظم الناس كذبه وتتبعوه اهـ.

(٣) حكى رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن عمن حدثه أن أبا عمر كان مؤدب ولد القاضي أبي عمر محمَّد بن يوسف فأملى على الغلام نحوًا من ثلاثين مسألة في اللغة وذكر غريبها وختمها ببيتين من الشعر وحضر أبو بكر بن دريد وأبو بكر بن الأنباري وأبو بكر ابن مقسم العطار المقرئ عند القاضي فعرض عليهم تلك المسائل فما عرفوا منها شيئًا وأنكروا الشعر فقال لهم القاضي ما تقولون فيها فقال ابن الأنباري أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن ولست أقول شيئًا وقال ابن مقسم مثل ذلك واعتذر باشتغاله بالقراآت (وفي بعض الكتب بالقرآن) وقال ابن دريد هذه المسائل من موضوعات أبي عمر ولا أصل لشيء منها في اللغة وانصرفوا. فبلغ ذلك أبا عمر فاجتمع بالقاضي وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء عينهم ففتح القاضي خزانته وأخرج له تلك الدواوين فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة منها ويخرج لها شاهدًا من تلك الدواوين ويعرضه على القاضي حتى استوفى جميع المسائل ثم قال وهذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضي وكتبهما القاضي بخطه على ظهر الكتاب الفلاني فأحضر القاضي الكتاب فوجد البيتين على ظهره كما ذكر أبو عمر وانتهت القصة إلى ابن دريد فلم يذكر أبا عمر بلفظه إلى أن مات اهـ.

فأنت ترى أنه لم يأخذ أحد على أبي عمر كلمة لم يعرف لها مستندًا من كلام العرب. ولئن كان كذب أبي عمر يروج على مثل هؤلاء الجهابذة فما أكبره إذًا وما أضعف منزلتهم. وقد قالوا إن من حفظ حجة على من لم يحفظ وإن زيادة الثقة مقبولة فلم يبق إلا أمر العجب وحيرة الناس في ذكائه. فأما النديم فقد عرفت ما قاله حافظًا الحديث في شأن تحريه وأمانته وأما جخجخ فإنه وإن كان من تلامذة أبي عمر فإنه من خصيصي أصحاب ابن دريد وهو راوي جمهرته وحامل علمه وكان ابن دريد يطعن

<<  <  ج: ص:  >  >>