للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَظُنُّونَ} هذا لمن شكّ. ثم قال (١) (٢: ٤٦) {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} فهذا يقين لأنهم لو لم يكونوا مستيقنين لكانوا ضُلّالًا شُكّاكًا في توحيد الله تعالى. ومثله في اليقين قول المؤمن (٦٩: ٢٠) {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} أي أيقنتُ. ومثله قوله تعالى (١٨: ٥٣) {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} أي أيقنوا ومما (٢) جاء في كلام العرب في الظنّ الذي هو يقين قول دُريد بن الصِمَّة:

فقلتُ لهم ظُنُّوا بألفَيْ مُقاتِل ... سَراتهمُ في الفارسيّ المسرَّدِ (٣)

أي أيقِنوا ولذلك قال بألفي مُقاتِل لأنه خوّفهم لَحاقَ جيش غطفان إيَّاهم. وقوله تعالى (٤٥: ٣٢) {إِنْ نَظُنُّ إلا ظَنًّا} فهو من الشك. وللنحويين فيه قولان أحدهما أن تكون (إلَّا) في غير موضعها (٤) فيكون التقدير إن نحن إلَّا نظنّ ظَنًّا لأن المصدر إذا وقع بعد فعله مستثنىً لم تكن فيه فائدة إلا أن يكون موصوفًا أو زائدًا على ما للفعل. [و] لو قال قائل ما ضربتُ إلَّا ضربًا لم يُفد بقوله ضربًا معنى لم يكن في ضربت فمن قال إلَّا في غير موضعها فهو مثل ليس الطيب إلا المسك مرفوعًا ولا وجه (٥) لهذا إلا على تقديم إلَّا ليكون المعنى ليس إلا الطيبُ المسكُ ليتحقق أن أصحّ الأشياء أن


(١) ليست الآية في التلاوة بعد الآية المارة بل قبلها فالتراخي هنا في بيان المبرَّد لا في موقع الآية.
(٢) في الأصل فمما مصحفًا.
(٣) انظره في أضداد ابن الأنباري ١٢ من كلمة مذكورة في الحماسة مع التبريزي مصر ٢: ١٥٦ وجمهرة الأشعار والأغاني ٩: ٤ ويروي بألفي مدجَّج.
(٤) هذا القول نقل في البحر المحيط لأبي حيان ٨: ٥١ وفتح البيان ٨: ٣٤١ عن المبرَّد كما هنا قال أبو حيان واحتاج إلى هذا التقدير كون المسك مرفوعًا بعد إلَّا وأنت إذا قلت ما كان زيد إلا فاضلًا نصبت فلما وقع بعد إلَّا ما يظهر أنه خبر "ليس" احتاج أن يزحزح إلَّا عن موضعها ويجعل في ليس ضمير الشأن ويرفع إلَّا الطيبُ المسكُ على الابتداء والخبر فيصير كالملفوظ به في نحو ما كان إلَّا زيد قائم ولم يعرف المبرد أنَّ ليس في مثل هذا التركيب عاملتها بنو تميم معاملة ما فلم يُعملوها إلَّا باقية مكانها "وليس" غير عاملة. وليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب في نحو ليس الطيب إلا المسك ولا تميمي إلّا وهو يرفع وفي ذلك حكاية جرت بين عيسى بن عُمر وأبي عمرو بن العلاء ذكرناها فيما كتبناه من علم النحو. ونظير "أن نظن إلَّا ظنّا" قول الأعشى:
وجدَّ به ... إلَّا اغترارًا أي اغترارًا بيّنًا. اهـ.
أقول: هذه الحكاية مذكورة في أمالي القالي ٣: ٣٩ والأشباه ٣: ٢٤.
(٥) في الأصل "إلا المسك يرفعون لا وجه" وفيه قلق ظاهر أصلحناه إلى ما ترى.

<<  <  ج: ص:  >  >>