للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلتَ كقوله {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيدِيكُمْ} ولو كان من الطاعة والمعصية لكان حق الكلام ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيِّئة ومن هذا قوله (١٩: ٨٣) {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ} الآية وقال (٧١: ١) {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} وقال (٢٣: ٤٤) {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} وقال (٣٧: ١٨١) {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: ١٨١] فليس لقائل أن يقول من أهل القبلة إن الشياطين دخلوا في هذا الإرسال. ولا أن قوله {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} كقوله {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} ولكن مجاز قوله {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي خَلَّينا بينهم وبينهم كقول القائل: أرسلت حمارك على زرعي، أي لم تَحْبِسْه فسمى التخلية بالإِرسال كقوله (١):

فأرسلها العِراكَ ولم [يَذُدْها] ... ولم يَشْفِقْ على نَغَص الدِخالِ (٢)

هذا لم يرسل الحمير لتعتركَ ولكنّه لم يحبِسها. وكذلك قولهم: أرسلتَ الأمرَ من يديك إنما هو لم تلزمه. وأما قوله تعالى (٥١: ٥٦) {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [وقوله] (٣: ١٧٨) {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} مجازه مصيرهم إلى ذا كقوله (٢٨: ٨) {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} وهم لا يلتقطون مقدِّرين فيه أن يُعاديهِم ويحزِنهم ولكن تعدس (كذا) (٣) فالتقطه آل فرعون فكان مصيره إلى عدوانهم وحزَنَهم ومثله:

ودُوْرُنا لَخراب الدهر نَبْنِيها

أي إلى هذا تصير. ومثل قول ابن الزِبَعْرَى (٤):

لا يُبْعِدُ الله ربُّ العبا ... د والمِلْحُ ما ولدت خالده


(١) هو لبيد بن ربيعة انظر ديوانه صنع الطوسي ١٢١ والخزانة ١: ٥٢٥.
(٢) أرسل العير أُتُنَه تعدو إلى الماء دفعة مزدحمة ولم يشفق عليها أن تتنغَّصَ عند الشرب ولم يذدها مخافة الصيّاد أي أنه ليس بِتْرعية. ويروي فأوردها. وهو من أبيات الكتاب ١: ١٨٧.
(٣) هذه الكلمة مشكوكة في الأصل، ولعلها "تقديره".
(٤) الأبيات نقلها السيوطي في شرح شواهد المغني عن هذا الكتاب ١٩٥ كما هنا سواء ولكن المبرد أنشد الأول في كامله (لبسيك ٢٨٤ التقدم ١: ٢٣٩) من غير عزو إلى أحد بعينه. وفي مقطعات المراثي عن ثعلب عن ابن الأعرابي ص ١٠٦ أنها للحارث بن عمرو الفَزاري يرثي بني خالدة كردما وأخوته وهم بنو سعد بن حرام وفي الخزانة ٤: ١٦٤ عن نوادر ابن الأعرابي أنها لنُهيكة بن الحارث المازني مازن فزارة وهذا عجب من الاختلاف وفي الفاخر ٩ أنها لشُتَيم بن خويلد الفزاري وفي الروض ٢: ٣٠٦ من غير عزو. والملحُ في البيت مرفوع وهو الرضاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>