للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا زال الإِسلام محروسًا بعوالي هِممه، والإِيمان مَحْمِيّ الجناب بماضي سيفه وقلمه، والرعايا في ظل رعايته وادعين، وملوك الممالك تظل أعناقهم له خاضعين، نفق بضاعتي من العلم بعد أن كانت كاسدة، وأصلح بحسن نظره لي طوية الدهر وكنت أعهدها فاسدة، وشرّفني بمطالعة مصنفاتي وارتضاء مؤلفاتي ولقد أسفت على كل ساعة قضيتها في غير ظله، وكلم عرضتها على غير فضله، ووددت أن تلك الساعة لم تسعني، وعلمت أن تلك الكلمة كانت تقول دعني. ولمنافستي في هذا الشرف أن ينقرض فيه ذكري بعد انقضاء عمري لم أزل أفكر فيما يخلد لي مزية الانتماء إلى مكرم جنابه، ويجعل لوجودي خلفًا يقوم في الخدمة بإحسان منابه، إلى أن أوعز إلى أنفذ الله تعالى في الآفاق عالي أمره، وعضد الإِسلام وأهله بإفاضة البركة على عمره، بان أؤلَف كتابًا في لغة العرب يكون إن شاء الله تعالى بيُمن نقيبته وفقَ الأدب جامعًا شتاتها وشواردها، حاويًا مشاهير لغاتها وأوابدها، يشتمل على أداني التراكيب وأقاصيها، ولا يغادر منها سوى المهملة صغيرة ولا كبيرة إلا وهو يحصيها. فنبهني مرسومه الشريف على ما كنت أرتاده وجريت في طاعته وتوخّي كريم رِضاه على ما أنا معتادة وزففت هذه الخريدة الغيداء والفريدة العذراء إلى أكرم كفؤ وخِطْب، وأعلم كل ذي نهية ولب، فإنه في استحقاق زفاف عقائل نتائجِ العقول إليه طبقة، وفي المثل السائر وافق شنّ طبقة. ولعل من سماه الناس عالما (١) ولم يغن في العلم يومًا كاملًا أو بعض المتحذلقين ومن هو دون القلتين يطالع هذا الكتاب ويطلع على بيت منه غير منسوب وهو في غيره من كتب اللغة كالتهذيب والصحاح والمجمل وغيرها منسوب أو بيت منسوب إلى غير من نسب إليه في هذه الكتب أو صدر بيت عجزه مغير فيها أو حديث وقد جعلوه مثلًا أو مثل وقد جعلوه حديثًا فظن أنه وجد تمرة الغراب أو سبق الهجين العِراب.

هيهات تضرب في حديد بارد

أوردها سعد وسعد مشتملْ ... ما هكذا تورد يا سعد الإِبل

صَمّي صَمامِ.

أطرِق كرا أطرق كرا ... إن النعام في القُرى (٢)


(١) كذا في الأصل بدل (عاملًا).
(٢) تكلم عليهما البغدادي في الخزانة وأفاض.

<<  <  ج: ص:  >  >>