وَإِنْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ، لأنَّ مطلقَ اللَّفظِ لِلتَّمْلِيكِ، والدابَّةُ لا تملِكُ، وفرَّقُوا بينَهُ وبينَ الوصيَّةِ المطلقةِ للعبدِ؛ بأنَّ العبد تنتظِمُ مخاطبَتُهُ ويتأتَّى منه القبولُ، وربما عتقَ قبلَ موتِ الموصِي فيثبتُ المِلْكُ بخلافِ الدابَّةِ. لكن قد تقدَّم فِي الوقْفِ المطلَقِ عليها وجهان، فِي كونهِ وقْفًا على مالكِهَا، قال الرافعيُّ فِي شرحيه: فيشبِهُ أنْ تكونَ الوصيَّةُ على ذلك الخلاف، وقد يُفرَّقُ بأنَّ الوصيَّةَ تمليكٌ محضٌ فينبغي أن تُضاف إلى من يملِكُ، قال فِي الرَّوضةِ: والفرقُ أصحُّ، وقال صاحبُ المطلبِ: فيه نظرٌ من حيث أنَّه لا خلافَ أنَّ الموقوفَ عليه يملِكُ المنفعَةَ، والدابَّةُ لا تملِكُ شيئًا أصْلًا، ولَكَ أنْ تُنَازِعَهُ فِي ذلكَ، ويقولُ: إنَّ المنفعة تابِعَةٌ للعَينِ، وَإِنْ قَال لِيُصْرَفَ فِي عَلَفِهَا، فَالْمَنْقُولُ صِحَّتُهَا، لأن عَلَفَها على مالِكِهَا، فالقصدُ بهذه الوصيَّةِ هُوَ قال الرافعيُّ: ويُحْتَمَلُ طردُ خلافٍ مسبقٍ فِي مثله فِي الوقفِ، وقوله (عَلَفِهَا) هو بالإسكانِ مصدرٌ وبالفتحِ المعلوفَ.
فَرْعٌ: فِي البيان عن العدَّةِ؛ فيما إذا ماتَ الموصي قبل أن يُبَيِّنَ رُجِعَ إِلى ورثته، فإن قالوا: أرادَ العلَفَ صحَّتْ أو التملِيكَ حُلِّفُوا وبَطَلَتْ، أوْ لا ندري ما أرادَ فكما لو قال: أَوْصَيتُ لَهَا، ولا نِيَّةَ لهُ فتبطلُ. وفي الشَّافِي لِلْجُرجَانِيِّ: لو قال: يُصرفُ ثلُثُ مالي إلى عَلَفِ بهيمِةِ فلانٍ صَحَّ، وكان لمالكها إِنْ قبلها وينفقُ عليها الوصِيُّ، وإن اختلفَا فقال الوارِثُ: أراد تمليكَ البهيمةِ، وقال صاحبُ البهيمةِ: أرادَ تملِيكِي فالقولُ قولُ الوارثِ؛ لأنَّهُ غَارِمٌ ولأنَّ ظاهرَ لفظِهِ معَهُ، والظاهرُ أنَّ مرادَهُ حالةُ الإِطلاقِ.
وَتَصحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، أي وَمَصَالِحِهِ؛ لأنَّهُ قَدْ بَيَّنَ الجِهَةَ، وَكذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأصَحِّ وتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتهِ وَمَصَالِحِهِ، عملًا بالعُرف، ويصرفُهُ القَيِّمُ إلى الأهَمِّ والأصلَحِ باجتهادِهِ، كذا جزَمَ بِهِ الرافعيُّ هنا تفريعًا على القولِ وحكَى فِي الوقْفِ عن البغويِّ كالوقف على العمارة ومن ذلكَ يحصُل وجهان، أحدُهُما: دخولُ المصالحِ للعُرف، والثاني: يبطُلُ كالوصيَّةِ للدابَّةِ، وردَّهُ الإِمامُ بأنَّ الوصيَّةَ للدابَّةِ نادرٌ مستَنْكَرٌ فِي العُرف فتعيَّنَ اعتبارُ اللفظِ، وهذا الخلافُ حكاهُ صاحبُ البيانِ فِي