للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحِفظِ، ويُشترَطُ صِيغَة المُودِع: كَاستَوْدَعتُكَ هَذَا أَوِ اسْتَحفَظْتُكَ أَوْ أَنَبتُكَ فِي حِفْظِهِ؛ أيْ وكذا خُذْه أمانةً وما أشبهَهُ من الألفاظِ الدَّالَّةِ على الاسْتِحفَاظِ، وَالأصَحُّ أَنَّهُ لاَ يُشترَطُ الْقَبُولُ لَفْظاً وَيَكْفِي الْقَبْضُ؛ أي في العَقَارِ والمنقولِ كما فِى الوكالَةِ. والثاني: يُشترط بناءَ على أنَّها عقدٌ، والثالث: يُفصَلُ بينَ صيغَةِ الأمرِ كَاحْفَظ هذا المالَ؛ والعَقْدِ كَأوْدَعْتُكَ؛ كما فِى الوكالَةِ. والخلافُ كما قال المتوليّ: يُلتفتُ على أنَّ العُقودَ يُعتبرُ فيها ألفاظُهَا أو معانِيهَا.

فَرْعٌ: إذا قَبِلَ الوديعَةَ سواء شَرَطنا القبولَ أمْ لاَ؟ ففي توقُّفِها على القبضِ ثلاثةُ أوجه، جزَمَ البغويُّ بمنعِهِ، والمتوليّ بمقابلِهِ، وأفتَى الغزاليُّ: بأنهُ إنْ كان الموْدَعُ في يدِهِ، فقال: ضَعْهَا فيهِ تَمَّت، أو في يدِ غيرِ رَبِّهِ، كما لو قال: أنظُرْ إلى متاعِي في حانوتِي فقال: نَعَمْ. فلا. وَلَوْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ مجنون مالاً لَمْ يَقْبَلْهُ، لأنَّ إيداعَهُما كَلاَ إيدَاع، فإن قَبِلَ ضَمِنَ، كما لو غصبَهُ؛ ولا يزولُ الضمانُ إلَّا بالرَّدِّ إلى الناظِرِ في أمرِهِ، نَعَمْ: لو خافَ هلاكَهُ في يدِهِ فأخذَهُ على وجهِ الْحِسبَةِ صَوناً، لم يضمنْهُ على الأصحِّ. ويظهرُ أن يكونَ محِلُّ الخلافِ ما إذا كانَ هناكَ من يحفظُهَا غيرُة، فإن لم يكُنْ؛ فينبغِي أن لاَ يضمنَ قطعًا؛ فإنهُ يجبُ عليه الأخذُ ويستحيلُ التَّضْمِيْنُ مع وجوبِ الأخذِ.

وَلَوَ أَوْدَعَ صَبِياً مَالاً فَتَلِف عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ، إذ ليس عليه حِفْظُهُ فهو كما لو تركَهُ عند بالغٍ من غيرِ اسْتِحْفَاظٍ، وَإن أَتْلَفَهُ ضَمِنَ فِي الأصَحِّ، لأنهُ لم يُسَلِّطْهُ على إتلافِهِ فيضمنُهُ، كما لو أذِنَ لهُ في دخولِ دارِهِ لأكلِ شئٍ فأتلفَ غيرَهُ. والثاني: لا، كما لو باعَ شيئًا وسلَّمُهُ إليهِ فأتلفَهُ؛ فلا ضمانَ عليه. والفرقُ على الأوَّلِ أنَّ البيعَ يتضمَّنُ التَسَلُّطَ على التصرُّفِ، ومقتضى كلامهِ في الروضةِ تبعًا للرافعيّ في موضع تصحيح الثَّاني، وخصَّصهُمَا بعض المصنِّفِينَ بغيرِ القتلِ؛ وقال: لو كان عبداً فقتلَهُ ضمنَهُ قطعاً.

وَالْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كصَبِيٍّ؛ أي في إيداعِهِ. والإيداعُ عندَهُ كما قرَّرناهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>