وَترْتفِعُ بِمَوْتِ المُودِع أَوِ المُوَدَع وَجُنُوبهِ وَإغْمَائِهِ، لأنها وكالة في الحفظِ وهذا حكمُ الوكالةِ؛ وترتفعُ أيضاً إذا حُجِرَ عليهِ بسفهٍ قالهُ صاحبُ البيانِ، وَلَهُمَا الاسْتِرْدَادُ وَالرَّدُّ كُلَّ وَقْتِ، أما المودِعُ، فلأنهُ مالكٌ، وأمَّا المودَعُ؛ فلأنهُ متبرِّعٌ بالحفظِ، وَأصلُهَا الأمَانَةُ، بالإجماع وما خالفَهُ أُوِّلَ.
وَقد تصِيْرُ مَضْمُونة بِعَوَارِضَ مِنْهَا: أن يُوْدِعَ غَيْرَهُ بِلاَ إِذْنٍ وَلاَ عُذْرٍ فَيَضمَنُ، لأنَّ المالِكَ لم يرض بأمانَةِ غيره ولا يدِهِ، وَقِيْلَ: إن أَوْدَعَ القَاضِي لَم يَضمَنْ، لأنَّ أمانتَهُ أظهرُ وهو نائبُ الغائبِينَ، والأصحُّ أنَّهُ لا فرْقَ؛ لأنَّهُ إنْ كانَ المالِكُ حاضِراً فلا وِلايةَ لهُ عليهِ، وإن كان غائِباً فلا ضرورَةَ إليهِ ولم يَرْضَ المالِكُ بيَدِ غيرِهِ، وإذا لَم يُزِل يَدَهُ عَنهَا؛ جَازَتِ الاِستِعَانَةُ بِمَنْ يَحْمِلُهَا إِلَى الحِرزِ أَوْ يَضعُهَا فِي خِزَانَةٍ مشتركة، لأنَّ العادَةَ جَرَتْ بهَا؛ ولأنهُ ما أخرجَهَا عن يدِهِ. ولا فَوَّضَ أمرَهَا إلى غيرِهِ. وَالحِرْزُ أصْلُهُ فِى اللُّغة: المَوْضِعُ الحَصينُ؛ وَالخِزَانَةُ بكسرِ الخاءِ كذا رأيتُهُ مضبوطًا بخطِّ مؤلِّفِهِ، وإذا أَرَادَ سَفَراً فَلْيَرُدَّهُ إِلَى المَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ، أي في تسليمِ تلكَ العينِ خاصَّة أو في عامَّةِ أشغالِهِ لأنهُ قائمٌ مقامَهُ، فَإن فَقَدَهُمَا؛ أيْ لِغَيبةٍ ونحوها، فَالقَاضِي، أي وعليهِ قبولُها لأنَّ المالِكَ لو كان حاضِراً لزِمَهُ القبولُ فينُوبُ عنهُ الحاكمُ عندَ الغيبة، كما لو خُطبت امرأةٌ وَوَلِيُّهَا غَائِبٌ، فَإن فَقَدَهُ فَأمِيْنٌ، أي يأتمنَهُ الموَدِّعُ وكذا غيره في الأصحِّ، لئلا يؤدِّي إلى تأخيرِ السَّفَرِ. وهل يجبُ على المودِّع الإشهادُ على الأمينِ؟ فيهِ وجهانِ في الكفايَةِ. ويظهرُ ترجيحُ الوجُوبِ، فإنَّ الأمينَ قد يُنْكِرُ، ولا يبعُدُ تخصِيصُ الخلافِ بحالِ القدرةِ على الإشهادِ.
فَرْعٌ: لو تركَ هذا التَّرتيبَ ضَمِنَ.
فَإن دَفَنهَا بِمَوْضِع وَسافَرَ ضَمِنَ، لأنهُ عرَّضَها للأخْذِ، فَإن أَعلَمَ بِهَا أَمِيْناً يَسْكُنُ المَوضعَ؛ أي وهو حِرْز مثلُهُ، لَمْ يَضمَنْ فِي الأصَحِّ، لأنَّ ما في الدَّارِ في يَدِ ساكِنِها؛ فكأنهُ أودعَهُ إيَّاهُ، والثاني: يضمنُ، لأنَّ ذلك إعلامٌ لا إيداعٌ. وجعلَ الإمامُ في معنَى السُّكنى أن يُراقِبَهَا من الجوانِبِ أو مِن فَوقِ مُراقَبَةَ الحارِسِ، وهذا