للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ قَالَ: إرْبِطِ الدَّرَاهِمَ فِي كُمِّكَ، فَأمْسَكَها فِي يَدِهِ، فَتَلِفَت، فَالمَذْهَبُ: أنهَا، إِن ضَاعَتْ بِنَوْمٍ وَنسْيَان ضَمِنَ، لأنَّها لو كانتْ مربوطةً لم تَضِع بهذا السببِ، فالتلفُ حَصَلَ بالمخالَفَةِ، أو بِأخْذ غَاصِبٍ فلا، لأنَّ اليدَ أَحْرَزُ بالنسبةِ إليها، وهذا نَصُّهُ في عيونِ المسائِلِ، ونقلَ المُزَنِي أنهُ: لاَ ضَمَانَ مُطلقاً، والرَّبِيْعُ مقابلَهُ، وللأصحابِ طُرُق أصحُّها ما ذكرَهُ المصنفُ، وثانيها: إطلاقُ قولينِ، الضمَانُ مُطلقًا، وعكسُهُ. وثالثها: أنْ يربِطْها في الكُمِّ، واقتصرَ على الإمسَاكِ ضَمِنَ. وإنْ أمسَكَ باليَدِ بعدَ الربطِ، فلا. وفي كلامِ الفورانيِّ تصويرُ المسألَةِ بما إذا كانَ الإيداعُ خارِجاً عن منزلِهِ؛ وكلامُ الشافعيِّ في الأمِّ يقتضيْهِ أيضاً كما أفادَهُ صاحبُ المطلبِ، وقولُ المصنف (وَنِسيان)؛ لو قال: (أو) مكانَها يعني الواو لكانَ أحسَن، لأنَّهُ يكفي واحدٌ.

تنْبِيْهَانِ: الأوَّل: أفْهَمَ كَلامُ المصنِّف أنهُ بالربطِ لا يضمنُ؛ ومحلُّهُ إذا جعلَ الخيطَ الرابطَ خارِجَ الكُم في الضياع بِالاسْتِرْسَالِ دُونَ أخذِ الطرارِ وإذا كانَ داخلُهُ في الضياع بأخْذِ الطرارِ دُونَ الاسْتِرْسَالِ، وَاستَشْكَلَهُ الرافعيُّ؛ لأنَّ المأمورَ به مطلقُ الربطِ وقدْ أتَى بهِ، ولكَ أنْ تقولَ: ينبغِي أن يكونَ المأمورُ بهِ رَبطاً يتضمنُ الحِفْظَ، ولهذا لو رَبَطَ ربطاً غيرَ مُحكم ضَمِنَ، وإن كان لفظُ الربطِ يشمَلُ الْمُحكَمَ وغيرَهُ، قال: ولأنهُ لو قال: إحفَظْ في هذا البيتِ، فوضعَها في زاويةٍ منهُ؛ فَانهَدَمَتْ على الوديعَةِ؛ ينبغي أنْ يَضْمَنَ؛ لأنَّها لو كانَتْ في زاوية غيرِها لَسَلِمت، ومِن المعلومِ أنَّ تضمينَهُ بعيد. ولكَ أن تُفَرق بأن لفظَ البيتِ يتناولُها والعُرفُ لا يُخَصصُ موضعاً من البيتِ. الثانِي: معنَى الربطِ معروفٌ لكنْ في ابنِ يُوْنُسَ معناهُ اجعَلْهَا، وكذا في البيانِ عن الشَّيخ أبي حامد: أنَّ الربطَ هنا عبارة عن الْجَعلِ، وهو خلاف المتَبَادَرِ.

وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَيبِهِ بَدَلاً عَنِ الرَّبط فِي الكُمِّ لَم يَضمَن، لأنَّهُ أَحرَزُ؛ اللَّهُمَّ إلَّا إذا كان واسِعاً غيرُ مَزرُورٍ، وَبِالْعَكْسِ يَضمَنُ، لأنَّ الْجَيبَ أَحرَزُ؛ لأنَّهُ يُرْسَلُ الكُمُّ فَيَسْقُطُ. وهل المرادُ بالجيْبِ المعروفِ أو فَتْحَةُ القَمِيْصِ كما هو ظاهرُ كلامِ الجَوْهَرِيِّ وصاحِبُ المطَالِع وَالنهَايَة، والظاهرُ أنَّ المرادَ هنا هو: الأوَّلُ، وإنْ لم أرَهُ في شيءٍ من كُتب اللغَةِ بهذا المعنَى، وبعضُهُم يجعَلُ عندَ طَوْقِهِ فَتْحَة نَازِلَة كَالخريطَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>